الثلاثاء، 23 مارس 2010

ماذا عـن الاقتصاد؟

ذاهبون إلى القمة العربية، نحمل معنا في كل مرة آمالاً كبيرة، البعض يسأل ماذا فعلتم بتلك الآمال، والبعض يقول: كيف تحوّلت الآمال إلى قرارات وتوصيات، نامت في معظمها بين آلاف الملفات، تحلم بيوم تخرج إلى النور، مزهوة بهويتها العربية؟
للاقتصاد دائماً مكان على خارطة القمة، ربما لا يأخذ الصدارة، لكنه حتماً، العامل الأكثر قوة عندما نريد أن نتحدث عن مصالح مشتركة.. ‏
عن أحلام مشتركة.. ‏
عن حلول مشتركة.. ‏
حتى عندما نريد الحديث عن قوة سياسية بقرار حر، لابد أن نرتكز إلى قوة اقتصادية، تفرض منطقها إقليمياً ودولياً وعالمياً. ‏
قوة العرب في وحدتهم ليس شعاراً براغماتياً فحسب، إنه منطق العالم اليوم، منطق التكتلات الاقتصادية التي تحيط بنا من كل صوب، وتفرض بحكم قوتها المجمعة، وبحكم ضعفنا المعلن بكل أنواع الحدود الفاصلة، وبحكم تجاهلنا لكل المقومات التي تجمعنا لننهض من قطريتنا العاجزة عن تقديم مستلزمات النهضة والنمو والمنافسة والاستمرارية. ‏
ذاهبون إلى القمة، وسنبقى نطالب بالتفاؤل والأمل في صحوة عربية نحو تكامل اقتصادي يتجاوز قرارات إنشائية إلى إجراءات تنفيذية تنجح في تنويع اقتصادياتها بهدف تكاملها، لأن الخطوة الأولى تبدأ من آلية التفكير بالقواعد الاقتصادية التي تحكم كل بلد باتجاه الابتعاد عن التماثل والتشابه إلى الاختلاف والتكامل، دون أن ننسى أن الاعتراف بالواقع القائم أساس لإصلاحه، وأن الأرقام الحقيقية تمنح مؤشرات، وإشارات إلى نوع الحلول الممكنة بدءاً من إعادة صياغة مفهوم الاستثمارات العربية البينية مروراً بمعرفة الإمكانات الحقيقية للسوق التي ستدور في فلكها، إلى أن نصل إلى حقائق التجارة البينية، مبتعدين عن أرقام مضللة وخطط غير مؤثرة في صياغة اقتصاديات عربية بعيدة عن سيطرة الإنتاج الأولي وقريبة من مفاهيم التكتلات المنتجة والفاعلة والقادرة على بلورة الأهداف الكبرى للشعب العربي في تأمين فرص عمل حقيقية لا وهمية لتحسين مستوى معيشته وفقاً لخطط تنموية تعتمد الديمومة في استراتيجيتها. ‏
القمة اليوم كما كل القمم السابقة، مطالبة بالكثير سياسياً، والكثير الكثير اقتصادياً واجتماعياً، ولأننا نصر على أن نحكم بالأمل، ستبقى المطالب قائمة، والحلم بتحقيقها مشروعاً لنا جميعاً من أجل أن نبقى أمة العرب القوية بقرارها واقتصادها وشعبها. ‏
سميرة المسالمة

الأربعاء، 17 مارس 2010

الإصلاح التعليمي أولاً وثـانيـاً وثـالثـاً

ربما لن نستطيع أن نمتلك كل الذكاء اللازم لنعبر باللغة كوسيلة عن ذلك التقدير الكبير لكل من يقدم لنا جزءاً من قلبه قبل عقله، وبعضاً من روحه قبل علمه.. إنها التحية والعرفان لذلك الإنسان العظيم الذي سمي حسب اللغة العربية «معلماً» وهو كاد أن يكون رسولاً..
في عيده لابد أن نتذكر كل من أفرد روحه أمام مقاعد الدراسة ليصعد التلاميذ عبرها إلى عالم المعرفة والتحصيل ولو كان لنا القدرة أن نسميهم جميعاً لفعلنا.. إنهم صانعونا ولكل منا حكاية وفاء معهم.. ‏
في عيد المعلم نقف إجلالاً وتكريماً وهذا لا ينقص منه أن نسأل عن الواقع التعليمي وما هي آفاق الإصلاح فيه وماذا عن أولوياته؟.. ‏
هل المحصلة النهائية لهذا الواقع هي ما يمكن الاعتماد عليه من مخرجات قادرة فعلياً على دخول سوق العمل أم إن جسراً ما، مازلنا بحاجة إليه، أم إن عملاً تأسيسياً يبدأ من المرحلة الأولى للتعليم، هو ذلك الشيء الذي يجب أن نبدأ منه؟!! ‏
الأسئلة كثيرة إذا ما أردنا أن نفردها، لكنها كما أنها تحرك فينا كل ذلك الشغف بالحديث عن العملية التعليمية لجهة المعلم والطالب وأيضاً الأسرة وهمومها مع هذه العملية التي أصبحت عبئاً ليس بالقليل بل هو الذي يحظى اليوم بالمساحة الأكبر من حياتنا الأسرية فإنها أيضاً لا تنسينا ذلك الخط البياني المتصاعد في العملية الإصلاحية التعليمية التي بدت ورشة عمل كبيرة تتفاعل منتجاتها عبر منهاج تعليمي، لم نحظ بمثيله لجهة تنوعه وانتهاجه أسساً علمية وعالمية في بعض مواده، لكن أيضاً نسأل ليس بلغة التشكيك ولكن بلغة الباحث عن معلومة نعيش تفاصيل فقدانها مع أولادنا وبين أهالينا: ‏
هل تمكنَّا من إعداد وتأهيل الكادر التعليمي بما يتوافق وهذه المناهج الجديدة؟ ‏
هل نملك أسساً علمية لإدارة هذا الكادر بما يتوافق والسياسة التعليمية الجديدة في سورية؟ ‏
هل هذه السياسة التعليمية تعيش تفاصيل ما يحدث داخل البنية الكلية لعملية الإصلاح الشامل، وتلبي عملياً حاجات هذا الإصلاح، بل وتؤسس له عبر مخرجاتها؟ ‏
إذا كنا نتحدث دائماً عن إصلاح اقتصادي وإداري واجتماعي وسياسي فإن كل قطاع من هذه الإصلاحات يبدأ، بل يمر عبر من يقوم بهذا الإصلاح وهو الإنسان الذي نبنيه داخل المؤسسة التعليمية ونضع جزئيات تشكيلته الإنسانية بدءاً من الإحساس بالمواطنة مروراً بكيف نكون لبنة في بناء متين له تقاليده وثقافته وأسس تطويره باستمرار. ‏
إنها المسؤولية التي لا يمكن إلا أن تبدأ من هناك حيث المقعد والباحة وما يربط بينهما من تفاصيل صغيرة لكنها تبني الإنسان. ‏
الإصلاح يبدأ من هنا، من هذه التفاصيل وتلك النمنمات الصغيرة، نعم الإصلاح التعليمي أولاً وثانياً ودائماً...
سميرة المسالمة

بـــــوابة دمشـــــق

بوابة دمشق أكثر علواً من أن يقفز أحد من فوقها، وهي المدخل الحقيقي والواقعي إلى هذه المنطقة من العالم. كل الذين جربوا أن يقفزوا من فوقها عبر التاريخ سقطوا عند أبوابها، وكل الذين آمنوا بأن يتواصلوا مع هذه المنطقة بشكل حضاري وإنساني، فتحت لهم هذه البوابة واجتازوها وتفاعلوا مع أهلها وناسها، فكان الناتج الحضاري راقياً وخلاقاً ومثمراً.
في هذه البقعة من العالم بُنيت أعظم الحضارات الإنسانية، وفيها أيضاً انهارت أعظم الامبراطوريات التاريخية. والشواهد أكثر من أن تعدّ وتحصى.
وخلال السنوات المنصرمة جرب الكثيرون القفز فوق هذه البوابة، وجربوا حتى تحطيمها، إلا أننا، وبحق نقول: تعذر عليهم كل ذلك، ذلك أن ثمة شعباً عظيماً يحمي هذه البوابة ويصر على إبقائها منارة ورمزاً لتاريخه وحضارته وإنسانيته. وهذا ما يجعل في واقع الحال من السنوات المنصرمة بذاتها مرجعية في دراسة التاريخ والسياسة لهذه المنطقة برمتها.
لقد عبرت تلك السنوات بما حفلت به من تحديات واجهت سورية والسوريين، عن قدرة هذا الشعب وحيويته واستعداده لمقابلة الخير بالخير والعدوان بالمقاومة.. ولذلك نقول: إن من لا يحسن قراءة تاريخ المنطقة ومعرفة طبيعة أهلها عليه ألا يجرب استعمال الضغط والإكراه والقوة والعزل، لفرض منطقه الذي لا منطق فيه. ولعل التجربة أثبتت صحة ما نقول..وإذ ندرك جميعاً أن لكل العالم مصالح بهذه المنطقة بحكم الجغرافيا والاقتصاد وحتى السياسة، فإن هذه المصالح لا يمكن لها أن تكون وتتحقق على حساب المصالح الوطنية لسورية والسوريين. وكذلك لا يمكن لها أن تتحقق إلا إذا مرت عبر بوابة دمشق، وأحنت رأسها اعترافاً بالسالف من التاريخ والواقع الحاضر، والتزاماً بمعطيات وشروط التواصل الحضاري والإنساني بين الدول والأمم.
سميرة المسالمة

كلمــــــــة البـــــــدايــــــة..

ولادة طبيعية في سياق منطقي صدور العدد الأول من صحيفة تشرين الاقتصادي، ونقول طبيعية ومنطقية، لأن الكادر الذي توفر لهذا العمل فئة من الصحفيين متحمسين، متميزين ومندفعين لإنجاز عمل متميز منتج وخلاّق.. يضيف إلى الصحافة الاقتصادية الوطنية، ويفتح معها باب التنافس الإيجابي في ظل حراك دؤوب، تميزت به الحياة الاقتصادية السورية خلال السنوات الأخيرة.. وظهر واضحاً أن هذا الحراك يحتاج الى إعلام اقتصادي شفاف ودقيق، ويعتمد المعايير الصحفية المهنية من جهة، ويعتمد الأساليب العلمية في مقاربة المسائل الاقتصادية والتجارية والصناعية والمالية وقضايا المعلوماتية والأسواق المالية من جهة أخرى في محاولة لتأتي الصحيفة ملمة الى حد أقصى بالتطورات والمتغيرات على الساحة الوطنية والاقليمية والدولية سواء لجهة الخبر الصحفي، أو المعلومة الاقتصادية، أو التحقيق المحلي، أو لجهة تسليط الضوء على الدراسات الاقتصادية، والتجارب الناجحة في قطاعات الاقتصاد الوطني.
ومن البدهي القول: إن طموحات الكادر الصحفي لهذه الجريدة ليست محدودة، وليست نهائية، وإن حجم التواصل والتعاون الذي يمكن أن يتحقق مع مؤسسات الدولة والقطاع المشترك والخاص بدءاً من الحكومة وانتهاء بأصغر ورشة أو مزرعة في سورية، سينعكس مباشرة على مضامين هذه الصحيفة، وصفاتها لجهة الشكل أو الموضوع.
وتعتبر هذه الصحيفة أول صحيفة عامة تعنى بقضايا الاقتصاد، ولكن ما سيميزها أنها لن تكون ناطقة باسم القطاع العام بل باسم كل القطاعات الاقتصادية الوطنية السورية على التساوي والتوازي، وفي الوقت ذاته ستكون ناقدة وبشكل مباشر وعلني وصريح لكل القطاعات الاقتصادية دون مواربة، وبلغة الأرقام والحسابات، وتسمية الأشياء بأسمائها دون أن تقيم وزناً لأي اعتبارات شخصانية، أو تراتبية، ودون أي تمييز بين الأفراد وزراء كانوا أو مديرين عامين، أو تجاراً، أو صناعيين عندما نمتلك الدليل والوثيقة..
وهذه الصحيفة ستسلط الضوء على الإنجازات بحجمها وعلى الأخطاء بانعكاساتها، وستسمي بالاسم الشخص والمؤسسات أصحاب النجاحات، وستروي قصصهم، كما لن تتوانى عن ذكر الارتكابات والأخطاء.
لذلك فإن الكادر الصحفي يدرك أن أمامه كثيراً من المواجهات والتحديات، وطبعاً يشعره ذلك بالقلق لا بالخوف باعتبار القلق شعوراً إيجابياً، يحفز على الدقة وعلى الإبداع، ونحن ندرك معه أن البعض سيلومنا، والبعض سيشكرنا، وندرك أكثر أن اللوم لن يدفعنا إلى التراجع، وأن الشكر لن يولد الغرور، وطبعاً لكل شعور دوافعه وصداه ونتائجه.
سميرة المسالمة

.. لكنــــه ضـــرورة

بداية لابد من التأكيد أن أملاً جديداً ستفسحه الحكومة اليوم أمام كوادر كثيرة يمكنها أن تكسب الرهان لمصلحة أن المساواة المجحفة باتت تحت الأنظار، وأن ما فتح الباب واسعا لمغادرة كفاءاتنا الإدارية وجد من يوصده من خلال التفكير المنطقي والمدروس لآليات تمنح الفرصة الحقيقية لتميز هذه الكفاءات واحلال مبدأ الثواب على الاجتهاد والترقية وفق الانجاز والعمل ومستوى الأداء مما يجعل الحديث عن الإصلاح الإداري المنشود ممكناً رغم قساوة واقعه الحالي لأنه إرث تناقلته الحكومات المتعاقبة لتضعه اليوم كملف لا مهرب منه أمام الحكومة الحالية مع ما يمثله من تحديات يصعب التغلب عليها، ومعوقات لا يمكن القفز فوق الاعتراف بها.
ورغم أن مصطلح الإصلاح الإداري لم يغب عن سورية منذ سنوات حتى عندما تقرر فعلياً أن تبدأ الحكومة بالإصلاح الاقتصادي، إلا أن التذكير بضرورة التماشي بين الإصلاحين كان وما زال موضوع الحديث الرسمي على مختلف مستوياته، رغم أن الاقتصادي وجد له الأفضلية في الحكومة على الإداري، لتقف الحكومة مؤخراً أمام معضلة حقيقية وهي مَنْ ينفذ معها الإصلاح المبتغى إذا كانت تعاني من أزمة في وجود كادر إداري مؤهل يقود هذا الإصلاح؟...
صح فيما سبق أن الدولة لجأت إلى اعتماد الخيار الوظيفي في انطلاقتها الإصلاحية، فكرست وقتاً وجهداً في إطلاق مشروع الإصلاح الاقتصادي أولاً، ومن ثم إطلاق مشروع الإصلاح الإداري رغم أنه من الصعب علمياً وعملياً، الفصل القاطع بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الإداري، لوحدة العلة ولوقوعهما في سياق متشابك معقد. لكن يصح القول الآن: إن الدولة تواجه مشكلة حقيقية في مسألة الإصلاح الإداري، وهي مشكلة مركبة بين بعديها القانوني والبشري. ولعل هذا الأخير «البشري» يشكل ظاهرة خطيرة ليس فقط على صعيد المؤشرات، إذ يوجد عشرات المناصب الشاغرة التي يمكن اعتبارها مفصلية في قيادة المؤسسات والإدارات، ولكن أيضاً لسبب إحجام الخبرات الحقيقية عن التصدي لبعض المهام الوظيفية، كقيادات عليا في العمل الإداري أو الاقتصادي، بسبب ضعف العائد الشخصي «الأجر» أو تداخل الصلاحيات أو قلتها أو عدم قدرتها «الصلاحيات» في واقعها الحالي على مساعدة ذلك القائد الإداري في إنجاز واجباته، إذ تطلب من هذه القيادات الكثير الكثير مقابل صلاحيات مسحوبة منها لجهات أعلى أو موازية أو....
لكن المشكلة لا تكمن فقط على هذا المستوى، فثمة انقطاع عميق بين مستويات الإدارة المختلفة سواء لجهة الخبرة أو عدد سنوات الخدمة الوظيفية أو لجهة القدرة والإمكانية التعليمية أو لجهة التجربة الذاتية للأفراد. ويتجلى هذا الانقطاع بغياب ما يمكن تسميته الصفوف المتوالية من الإداريين. ففي بعض الخبرات أو الشهادات وفي بعض القطاعات ثمة انقطاع غير مفهوم، رغم أن أسبابه بذاتها مفهومة، كغياب تعيين الكفاءات أو قلة الرواتب أو حجب الكفاءات داخل المؤسسات، كيلا تظهر وتطغى على الإدارات الأعلى منها لأسباب شخصية بحتة وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي أفضت مجتمعة، إلى الحاجة إلى الإصلاح الإداري، من حيث المبدأ. وثانياً إلى تعقيد مسألة الإصلاح ذاتها، مما يدفع إلى القول: إننا بحاجة إلى عملية إصلاح نوعية وشاملة وكلية، تتضمن أولاً، إجراء مراجعة نقدية، ليس فقط لطبيعة المراكز العليا في الإدارة، وليس فقط لطبيعة أشخاصها والحاضرين فيها، وعلى رأسها، وإنما لطبيعة البدلاء المحتملين، أي ما يسمى بالصف الثاني والثالث وما بعد، ولطبيعة الآلية التي يجري فيها اختيار هذه الإدارات والعناصر التي يفترض توافرها في شخوصهم، بدءاً من الشهادة العلمية، ومروراً بالشخصية القيادية، وما إلى ذلك من عناصر ومكونات.
ولأننا أدركنا كنه المسألة وأبعادها، وكنا أكثر المتوجعين من طبيعتها ونتائجها فإننا نؤكد أيضاً أن الحلول ليست خرافية أو مستحيلة، لكنها بالتأكيد صعبة، وربما جراحية في بعض الأحيان، وتحتاج دائماً إلى الكثير من الروية، وإلى فيض من الحكمة، لتأتي تسمية الأشخاص واختيارهم لمواقع الإدارة، بعيداً عن الارتجال والشخصنة والتفرد والمزاجية والمحسوبية. وهذا يفضي بالضرورة إلى القول: إنه قد آن الأوان لاعتماد معايير جدية ومسؤولة وجديدة في اختيار الأشخاص، وأن تجري مناقشة هذه الخيارات على قاعدة معرفة الأشخاص، بمعنى التيقن من خبراتهم وشهاداتهم وكفاءاتهم وقدراتهم على قيادة عمل جماعي ومؤسساتي يؤدي إلى الارتقاء بطبيعة الوظيفة العامة ومكانة الموظف العام، ضمن رؤية لا تتجاهل الواقع المعيشي ولا الشكليات، كما جوهر الفكرة ذاتها.إن هيبة الإدارة ومكانتها وإصلاحها ونجاحها تتوقف كما تقدم، على عنصرين أساسيين: العنصر البشري والعنصر القانوني. ويشمل ذلك الهيكليات والآليات وتوصيف الوظائف والمهام والعلاقات الداخلية للمؤسسة، والريعية والعائد المادي أو المعنوي لعمل المؤسسة، وقبول الجمهور لمنتجات هذه المؤسسة، سواء كانت مادية أو ثقافية أو فكرية على حد سواء.
سميرة المسالمة

المــــــــــدعــــــوم..؟!

منذ الأزل كان مصطلح الدعم والمدعوم قائماً على المنفعة المتبادلة، انتشرت بين الناس على قاعدة تعني أن شخصاً يستطيع فعل ما يريده دون حساب ينتظره أو رقيب يتقفى آثار اخطائه، ليتحول هذا الشخص الى أشخاص، وربما إلى مؤسسات للفساد ليس من السهل اجتثاثها من العمق المؤسساتي، ليس في سورية فحسب وانما في العالم أجمع.
والمواطن المدعوم ليس كالخبز المدعوم، أو كبقية المواد التي تدعمها الدولة لمصلحة المواطنين غير «المدعومين» ليستفيد منها كل المواطنين حتى «المدعومين» منهم الذين يفترض بهم أن يدعموا خزينة الدولة، لا أن يتداعوا إلى ولائم الدعم الحكومي لمزيد من اكتناز الثروات غير المشروعة.
واذا كان حديث اليوم عن الدعم والمدعومين لا يتناول هؤلاء، ليس لأننا لن نتناولهم، فهم جزء من المشكلة، وربما هم صانعو هذه المشكلة، مشكلة الفساد حيناً، ومشكلة عدم وصول الدعم لمستحقيه حيناً آخر، والكثير من أزمات الناس الناشئة عن الفساد والإفساد التي تبين أنها، في معظمها، استغلت حاجات الناس واحتياجاتهم «ودعمهم» لإثراء غير مشروع او اتجار غير مسموح، أو تهرب من استحقاقات، فإن هذا الحديث يتناول حقيقة تساؤلات مشروعة حول آلية تصنيف مستحقي الدعم، وكيف يمكن الوصول إليهم وآليات توزيع الدعم وما نوع الدعم أصلاً؟!...
خيارات الحكومة كثيرة في توصيل دعمها لمن ترغب.. إلا أن أيّ خيار يمكن أن تتبناه، ليكون وسيلتها للتعرف إلى تصنيف مواطنيها اقتصادياً، قد لا يخلو من مغامرة التصنيف غير العادل الذي يؤهل البعض ليكون ضمن لائحة من يستحق أن يكون مدعوماً، أو يبعد البعض المستحق عن هذه اللائحة، باعتبار أن الجهد المبذول هو جهد بشري لا ترفع عنه إمكانية الوقوع بالخطأ غير المقصود، أو الزلل المخطط له تحت اعتبارات مختلفة، ليس الفساد غائباًعنها....
وإن اختلف المجتهدون في وضع تعريفات واضحة لمن يستحق الدعم، إلا أن الكل يتوافق على وجود هذا المستحق للدعم، الذي يمثل معونة اجتماعية تقدمها الدولة لتحقيق أهداف اجتماعية لإعادة توزيع الدخل، وذلك للتخفيف من أعباء المعيشة اليومية.
السيناريوهات قد تكون كثيرة، وغايتها الوصول إلى هذه الشريحة المجتمعية، في محاولة لتجاوز فكرة مؤلمة مفادها: إن بعض من يستحق الدعم قد لا يحصل عليه لأسباب مختلفة، إلا أن هذه السيناريوهات قد لا تجد ضرراً فيما لو حصل البعض على معونات لا يستحقونها مقابل أن يصل الدعم الى كل مستحقيه فعلاً؟!
لكن السؤال الأبرز هو: كيف تصل الحكومة إلى إقرار أن عدداً من مواطنيها يستحق الدعم، وعدداً آخر لا يستحقه؟ وهل يمكنها فعلياً الاعتماد على ما يمكن أن تخلص إليه نتائج المسح الاجتماعي؟ وهل من المقبول في حال أن هذا المسح لم يمتلك كل عوامل نجاحه أن تتبنى الحكومة تصنيفاً قد يلحق جوراً ببعض مواطنيها وبخزينتها لحساب بعض المتسللين إلى قوائم مستحقي الدعم؟
قد تكون كل السيناريوهات المطروحة أمام أصحاب القرار تحمل رؤيتها ومصداقيتها مثل استبعاد أعضاء غرف التجارة والصناعة والسياحة، أو النظر في فواتير الكهرباء، أو التحقق من الأملاك «عقارات أو سيارات»، لكن كل هذه الأمور تبقى في حدود ضيقة لا تعطي صورة حقيقية لجغرافية توزع مستحقي الدعم ما يجعل إمكانية الوقوع في الخطأ متاحة أكثر من إمكانية تجنب الخطأ، الأمر الذي يجعل التساؤل حول الثقة المتبادلة بين المواطن «رب الأسرة» والحكومة مشروعاً للوصول إلى مدى إمكانية أن تتقبل الحكومة إقرار الناس عن أوضاعهم بثقة كاملة غير منقوصة الآن، إلى أن يأتي ما يشي بضرورة ضرب هذه الثقة.
وإذا كانت الحكومة تنوي تقديم الدعم على شكل مبلغ نقدي، فإن هذا الأمر يعني أن ثقة الحكومة بالمواطن وقدرته على إدارة احتياجاته بنفسه جاءت مبنية على تجربة، رغم أن الكثيرين من الحكومة وصفوها «بالفاشلة»، إلا أنها تجربة تحمل في طياتها الكثير من المعلومات التي قدمت للحكومة لتتعرف بدقة أكبر على مساحة الخطوة اللاحقة لمشروع إعادة توزيع الدعم، وكيفية التعامل معه للوصول إلى نتائج أفضل في السنوات القادمة.
نعم تجربة قسائم المازوت قد تكون أخفقت في أشياء كثيرة، إلا أنها أوضحت في مناح أخرى نوع الحاجة التي يريدها المواطن، كما أنها بقصد، أو دون قصد، وضعت الحكومة في مواجهة حقيقية مع احتياجات الناس النقدية، وصاغت خريطة جديدة لحركة تداول هذه المادة بين المحافظات وعدد الأسر المستهدفة، وأشياء كثيرة لا يمكن إلا الاعتماد عليها في أي سيناريو جديد لإعادة توزيع الدعم وخاصة فيما يتعلق بالمحروقات.
اليوم أسعار المحروقات غير مقبولة ولابد من إعادة دراستها وفق منطق السوق وأسعاره أي إلى انخفاض عما هو اليوم بمعدل مقبول 20%، وبما يتناسب مع ضرورات التنمية في سورية، وبالوقت نفسه لابد من التوجه مباشرة إلى الأسر المحتاجة مع ثقة الحكومة بأن هذه الأسر هي الأقدر على إدارة احتياجاتها، دون أن ننسى أن الدعم المطلوب هو باتجاهين: دعم لأسر محتاجة، ودعم للتنمية المستدامة مع ضرورة الأول، والحاجة الماسة للثاني.
نسأل في ظل أقاويل كثيرة تتداول اليوم.. بعد اقتراب انتهاء العمل بقسائم المازوت إلى أي سيناريو تتجه الحكومة؟ شخصياً أفضل سيناريو دعم المناطق المحتاجة لتأهيلها لتوليد فرص عمل، إضافة إلى التوسع في دراسة واقع الأسر لمعرفة حقيقة احتياجاتها، ونوع الدعم الذي يجب أن تتلقاه مباشرة دون وسيط.
سميرة المسالمة

وعي المصـــــالـــــح..

لم تخف قمّة الدوحة الأثر البالغ والعميق لتداعيات الأزمة المالية العالمية على الوطن العربي وعلى العالم عموماً، بل أكدت عبر قادة الدول أن هذه الأزمة، التي لن تستثني أحداً وستدفع دولنا ثمناً باهظاً نتيجة الخلل الاقتصادي العالمي، كانت نتيجة طبيعية لإدارة اقتصادية احتكارية أفضت الى نتائج كارثية ذهبت بالكثير من موارد البلاد العربية ومدّخراتها مما أفقد الثقة بالشرعية العالمية لمن يقود العالم الاقتصادي. وهذا يتطلب منّا كدول عربية إجراء مراجعات جادة لسياساتنا الاقتصادية، والتحالف لخلق منظومة اقتصادية عربية تميل إلى التكامل على حساب التنافس، وإلى البحث في الإيجابيات لتلمس حلول السلبيات، وإلى التواصل بديلاً عن الانكفاء، وإلى اعتبار الدروس للنجاة من المستقبل، وإلى فرض وجودنا في الحل المنتظر كشركاء فاعلين لا كمتلقين منفعلين..
لقد حان للعرب أن يخلقوا منظومتهم الاقتصادية التكاملية التي تستطيع أن تستدرك الحلول، وأن تبحث في الأسباب لتوظيف الموارد المتاحة وإدارتها على النحو الذي يحقق النمو المطلوب، والنهوض المأمول للأمة العربية، وهذا يتطلب المزيد من الانفتاح على الآخر لا الانكفاء بعيداً عنه، أو الهروب منه، أو التراجع عما تحقق من خطوات إصلاحية اقتصادية تنموية.
العالم العربي يحتاج اليوم إلى مزيد من المصارحة الاقتصادية لمأسسة العمل الاقتصادي العربي الذي هو بحد ذاته مأسسة لعملية المصالحات العربية ـ العربية، لأن وعي مصالح الأمة هو المدخل الحقيقي والواسع لتحقيق مصالحها. إن ما أسست له قمة الكويت الاقتصادية ينعكس مباشرة اليوم بأجوائه على قمة الدوحة مما يؤكد أن طريق التضامن العربي، ووعي المصلحة العربية بمفهوميهما الموضوعيين أخذا أبعادهما الحقيقية بدءاً من قمة دمشق، ومروراً بقمة الكويت، وعملاً فاعلاً بقمة الدوحة.
لا يخفى على أحد أن الإصلاح العربي الاقتصادي، هو إصلاح مؤسساتي للعمل السياسي العربي.
سميرة المسالمة

باهظ بما لايعادل؟!

في مقاربة لواقع الإعلام العربي بكل مستوياته وأشكاله واتجاهاته، وفي محاولة لتكون هذه المقاربة بمعزل عن الخيار السياسي، والرأي الشخصي، وفي إطار قراءة موضوعية تأخذ بعين الاعتبار ظروف هذا الإعلام المتباين إلى حد التناقض، وطبيعة الجمهور الذي يتوجه إليه ومساحات الحرية التي يتحرك بها، في ظل مقاربة لهذه المحددات يتكشف لنا أن بعض الإعلام العربي لايتساوق في لغته التعبيرية مع الشارع العربي لوجود تذبذب واضح في تلبيته لاحتياجات جمهوره وتطلعاته وخياراته المتنوعة بين السياسي والاقتصادي والفني والرياضي والثقافي، فيما يتضح بجلاء عجز أكثره عن لعب دور الصانع والمشكل للرأي العام حتى في أكثر الظروف وضوحاً وشفافية وسطوعاً.
وفي ظل ذات المقاربة يتبين لنا أن المشكلة ليست أزمات مالية وبالطبع ليست أزمة هوية ولكنها بالتأكيد أزمة إدارة وكوادر يمكن ملامستها بشكل أكثر حدة في الصحافة المتخصصة أو الفضائيات ذات النوع الواحد أو الخيار الواحد، كما يمكن ملامستها بجلاء أوضح في الإعلام المتنوع من صحافة أو تلفزيون، والذي لايستطيع حتى في ظل هويته المتنوعة أن يستحوذ على جمهور دائم..
إذاً هي مجدداً أزمة الكادر، والخبير، والمتمرس، وبالطبع ليس هناك أزمة مشاهد أو قارئ ولعل مراجعة بسيطة للصحافة العربية على سبيل المثال تكشف ضعف عدد القراء و حجم التشابه العجيب في المواضيع والعناوين وحتى الصور ما يبعث على القلق لما آلت إليه الصحافة العربية من تراجع في مستوى الحرية المسؤولة من جهة، ومستوى الأقلام وقدرتها على ملامسة الواقع الإنساني الحياتي والمعيشي للناس.. ويسري ذلك بالطبع أكثر فأكثر على الصحافة العربية التي تصدر خارج الوطن العربي و بعضها ممن وضع ذاته تحت التصرف فسقط في خانة الضعف ذاته، وصار أكثره لايشبه أصله ومبتدأه.. كما يسري ذلك على أشكال الإعلام الأخرى المرئية والمسموعة والذي بات التمييز فيما بينها يشكل استعصاء ذهنياً باعتبارها صورة نمطية تكاد تتطابق مع بعضها البعض، لكن المقاربة لايجوز أن تكون ظالمة إلى ذلك الحد الذي نتجاهل فيه أن بعض الإعلام العربي من صحافة وفضائيات وإذاعات تلعب في أكثر الأحيان أدواراً متميزة وفاعلة إلى حد تصبح فيه خصماً عنيداً ولاعباً بارزاً في المنتديات السياسية، هذه المقاربة هي أقرب إلى مقدمة لفتح حوار مستمر لاينقطع وجدّي للغاية لمعالجة واقع الإعلام العربي والتأكد من أن حجم الإنفاق في الإعلام العربي باهظ بما لايعادل أبداً الناتج الإعلامي والمردود المطلوب منه.
سميرة المسالمة

حماية الاحتيال..؟!

انضمت سورية إلى عشرات الاتفاقيات الدولية في أكثر من مجال، مرتبة بذلك على ذاتها التزامات متعددة، لعل أهمها ما يدل على احترام الحكومة السورية لقواعد تضمن استقرار التبادل التجاري، واحترام سمعة الشركات، وأسمائها التجارية، وعدم تقليد بضائعها، أو استخدام اسمائها وعلاماتها وشعاراتها بشكل يسيء إلى سمعة البلد ومكانته من جهة، ويدفع الشركات إلى الانسحاب والتراجع والإنكفاء عن إقامة مشاريع في سورية، وتوظيف أموال، وتوفير فرص عمل لآلاف المواطنين من جهة ثانية.
لكن ما يحدث في واقع الحال يختلف عن ذلك، فهناك شركات أوروبية تتعرض لعمليات ابتزاز فريدة من نوعها بسبب قيام أشخاص سوريين وبشكل إفرادي ودون أي سند رسمي «أي ليسوا وكلاء لهذه الشركات الأجنبية» بتسجيل علامات تجارية لدى وزارة الاقتصاد والتجارة ­ مديرية حماية الملكية، حيث تستخدم شهادات تسجيل الأسماء الأجنبية لمفاوضة الشركات العالمية وابتزازها ماليا.
وقد دفع ذلك بعض هذه الشركات إلى بدء نقاش جدي يبدأ من نقطة الانسحاب من السوق السورية ويمر عبر خسارات مالية كبيرة وخسارة مئات فرص العمل. والأهم من كل ذلك خسارة سمعتنا في مقولة واحدة: إننا لا نحترم التزاماتنا وليس صحيحا أننا جادون في الذهاب إلى اتفاقات دولية تحفظ حقوق هذه الشركات.
وبينما يطالب تجار سوريون بحفظ حقوقهم في الخارج وتبذل الحكومة السورية كل جهد ممكن لحمايتهم وحماية مصالحهم، فإن بعض الأفراد على قلتهم يضربون بعرض الحائط كل ذلك ويسيئون مباشرة إلى سمعة سورية وحقيقة التزاماتها في الاتفاقيات.
ولعل الأسوأ من كل ذلك هو أن مديرية حماية الملكية في وزارة الاقتصاد وفي فترات متعاقبة هي التي أفسحت المجال تحت عناوين مختلفة وإجراءات غير منضبطة وتناقضات غير مفهومة وربما أشياء أخرى لإمكانية ان يستغل بعض الأفراد كل ذلك لتسجيل علامات تجارية لشركات عالمية كبرى وهم يدركون أنه سيأتي اليوم الذي تدخل فيه إلى سورية لابتزازها ماليا.
وتشكل هذه العمليات من قبل هؤلاء الأفراد جريمة الإساءة إلى الاقتصاد الوطني وإضعاف الثقة به مهما حاولوا تغطية سلوكهم ومحاولة ستر هذه الفضائح بتعهدات من قبل المتعهد الذي يقدم لدى مديرية الحماية من أن طالب التسجيل يقرّ بأن الاسم الذي يحميه لا يمثل شركة عالمية على سبيل المثال، أو من خلال ستر هذه العيوب بأحكام قضائية وقرارات مختلفة، من هنا وهناك، ما أنزل الله بها من سلطان.
ما يحدث ليس أمراً عاديا، نضعه، هنا، برسم الحكومة السورية بوزرائها المعنيين: المالية و الاقتصاد والعدل والشـؤون الاجتماعية والعمل، وبرسم مديرية حماية الملكية بكل إداراتها المتعاقبة خلال السنوات التي شهدت مقدمات التحولات الكبرى في سورية اقتصاديا واجتماعيا والتي رافقتها إجراءات وتطبيقات غير مفهومة في تلك المديرية العجيبة؟!..
نحذر مما يحدث، ونطالب بحماية للإنجازات، وبحماية لسمعة البلد وبتأكيد مبدأ سيادة القانون واحترام التزاماتنا واتفاقاتنا في كل مجال وميدان، ونطالب الجهات المعنية الوصائية والقضائية والتفتيشية التحرك فوراً لإعادة الأمور إلى نصابها قبل أن نجد عشرات الشركات وهي تغادرنا غير آسفة لسبب سلوك القلة التي يجب محاسبتها بجرائم الاحتيال وغش الدولة والإساءة إلى الاقتصاد الوطني موظفين كانوا أم تجاراً أم أفراداً عاديين.
ارفعوا الغطاء عن هذه المهزلة قبل أن تتحول هذه الحكايا إلى سمعة تشوه حراكنا الإيجابي والتصاعدي، والذي يثير في كثير من جوانبه إعجاب الآخرين قبل أهل الدار.نفترض أن الجهات ا لوصائية تحركت فعلياً، وشكلت لجنة قضائية إدارية ­ اقتصادية تضع يدها فوراً على مديرية حماية الملكية لتراجع ما جرى تسجيله خلال السنوات الماضية، وتسأل عمّا إذا كان هذا التسجيل منسجماً مع القوانين أولا، وكم هو عدد الشركات العالمية، والماركات وشركات الإدارة والتسويق في السياحة والاقتصاد والتجارة وجميع أنواع البضائع قد سجّلت أسماؤها بشكل صحيح أو محوّر، ـ أي متلاعب به ـ ولمصلحة من؟ وهل يملك من سجّل هذه المعلومات امتيازاً أو تفويضاً من الشركات العالمية؟ مع مراجعة مهمة للفئات التي تسجل عليها الشهادات حيث يجري العبث العجيب الغريب، وحيث لا يدرك أحد ولا يفهم أحد مدى خبرة الموظفين الذين يقومون بالتسجيل، وما إذا كانوا سمعوا، أو خبروا، أو أدركوا شيئا عن هذه الأسماء أو الشعارات المستخدمة والمسجلة أم إن الأمر كله في أفضل حالاته اعتباطي وناشئ عن غفلة وقلة خبرة، رغم أننا لا نميل إلى هذا الرأي للأسف لأن ما يطرح في كواليس الشركات العالمية يحبط النفوس ويتجاوز الجهل والغفلة إلى احتمال وجود فساد متعمد يوهمنا أنه تحت الحماية؟!...
سميرة المسالمة

من بغداد الذاكرة إلى بغداد الأمل

عبّرت وجوه من رأيناهم من مواطنين عراقيين بسطاء عن عمق الفرحة في وجود سوريين بينهم وقال أحدهم: «حلت البشاير».. ابتسامة فرح حقيقية غمرت أحد المواطنين وهو يتحدث إلى صديقه بلهجة عراقية.. « العراق بخير­ السلام قادم».
بعد أن ألقيت بتحيتي عرف أنني سورية فسألته عن دلالة زيارة وفد سوري إلى العراق فأجابني بسؤال ليتأكد من الأخبار المتداولة: هل حقاً رئيس الوزراء السوري قادم؟.
الترحيب الشعبي بهذه الزيارة يفسر معانيها عند العراقيين «العراق عاد إلى الحضن العربي» ودائماً كانت سورية هي عمق العروبة في العراق، فالزيارة لم تعد خبراً غير مؤكد يتناقله الناس بل أصبحت واقعاً ومعلومة صحيحة يتداولونها فيما بينهم وفي مجالسهم الخاصة، إنها إعلان السلام القادم إليهم عبر أجنحة عربية تتوافد يوماً بعد يوم إلى بغداد..
زيارة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد ناجي عطري بكل مضامينها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تعني الكثير للشعبين السوري والعراقي كما تعني الكثير لقطاع الأعمال السوري والعراقي فهي فاتحة أعمال جديدة تبدأ معلنة أن لا نهاية تحكمها..
فزيارة عطري الرسمية مع وفد وزاري كبير ورجال أعمال أسست للتعاون في عدد كبير من المجالات حيث نتج عن الاجتماعات المشتركة مقترحات سيكون من شأنها رفع حجم التبادل التجاري الذي يقارب الآن 800 مليون دولار إلى أرقام يقول الخبراء: إنها ستصل إلى أكثر من ملياري دولار العام القادم بينما ينشد الشارع على ضفتي الحدود أرقاماً أكثر وأكثر إذا عادت الأمور إلى طبيعتها وانسابت الزيارات والوفود عابرة للحدود..
الاتفاق على إزالة كل العوائق المتعلقة بالتجارة البينية وتسهيل مرور السلع من أكثر من منفذ جمركي ودراسة إمكانية تعديل وتطوير الاتفاقات وتوقيع البعض الآخر منها في مجال المناطق الحرة وتشجيع الصادرات والاستثمار وتجنب الازدواج الضريبي والتعاون التقني والعلمي والصناعي وقطاعات أخرى كثيرة نعتقد بأنها ستؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الثنائي المعوّل عليه لأن يكون منطلقاً لتعاون إقليمي أشمل..وبذلك تكون سورية وضعت أساسات التجمع الإقليمي الاقتصادي الذي يضم دول جوار العراق ودول جوار سورية وسيكون عمقه الطبيعي الدول العربية..
وهذا يعني أن سورية وحدّت بين الرؤى الإقليمية والرؤى العربية اقتصادياً ليكون قدر أهل المنطقة بيد أهل المنطقة وليس بيد غيرهم ولا بفعل سواهم..
لقد نادت سورية في منتصف القرن الماضي لتوحيد الأسواق العربية وكسر الحواجز التي تحول دون توحيدها لانسياب السلع العربية فيما بينها وبدأت بمنطقة عربية حرة في قمة القاهرة عام 1996 لقناعتها بأن الأسواق العربية الموحدة هي وحدها القادرة على جذب رأس المال العربي المهاجر إلى أرض الوطن، كما أنها ستكون الجاذب الأكبر للرأسمال الأجنبي ليتوافد إلى المنطقة العربية للتعامل مع سوق عربية فيها أكثر من 350 مليون مستهلك..
وسورية لم تأل جهداً طوال تلك الأعوام في وضع هذا الحلم موضع التنفيذ فعملت على محورين : القمم العربية والعلاقات الثنائية واليوم العراق وسورية في امتداد طبيعي وجسر لقدر واحد غايته المواطن العربي ومصلحة المواطن العربي..
زيارة عطري استذكرت التاريخ العراقي فخراً والعلاقات السورية­العراقية عملاً والمستقبل أملاً..
وجاء خبر الزيارة لنا كوفد سوري محمولاً بالآمال مزروعاً كما كنا نتصور بغداد «الأربعين مليون نخلة» تتمايل على جانبي الطريق من المطار إلى الفندق، كنا نحمل معنا في حقائب ذكرياتنا كل ما أحببناه عن بغداد وكل حكايات الأطفال التي كانت تدور هنا في بغداد وعلى شطآن دجلة والفرات.
لكن ما إن وصلنا المطار حتى عرفنا أن العراق يحتاج ليعود كما كان في الذاكرة الكثير من الحب والكثير من الأمل والكثير من العمل.. أطفالنا سألونا: هل حقاً ستزورون بغداد التي تمتلئ بجنود الاحتلال المدججة بالسلاح؟
قلنا لهم: العراق آمن بأهله وشعبه وجيشه الوطني ورغم السيارات المصفحة التي نقلتنا إلى حيث نقيم شاهدنا العسكر الذين زرعوا مكان شجر النخيل ولكن ظل الأمل يحدونا بأننا وصلنا عراق العزة، العراق الذي نحلم به والذي سيكون كما يريده أبناؤه..
فرحنا كثيراً بالزيارة كما فرح العراقيون ونشعر بأن حضور رئيس وزرائنا إلى بغداد يعني أننا ذاهبون إلى العراق الآمن.. نجاح الزيارة لم يأت من توقيع وثائقها الكثيرة فقط إنما لأنها أذابت جليد البعد وعادت لتزهر علاقات عربية أخوية طيبة..
سميرة المسالمة

فساد الذمم والنفوس ...

الأدوات الرقابية هي أدوات علمية وإدارية وقانونية من حيث طبيعتها ومضمونها قبل أن تكون أدوات قضائية، وهي أدوات وقتية بمعنى أنها سابقة وموازية ولاحقة، وهي بطبيعة الحال وقائية ومحاسبية من حيث طريقة تطبيقها، ولذلك فإن مكافحة الفساد عملية تحتاج إلى فتح نقاش واسع حول مسألة الرقابة، وطبيعتها وتوقيتها وأهدافها، وطبيعة النقاش هي التي تحدد أية أولويات ستختارها الدولة في مواجهة الفساد، وبمعنى آخر الوقاية من الفساد كما طرحها السيد الرئيس بشار الأسد في اجتماعه مع حكومة المهندس محمد ناجي عطري بعد التعديل التاسع عليها، هي هدف ضروري وملح، وفي الوقت ذاته فإن هذه الوقاية تفتح الباب عريضاً على ضرورة مراجعة القواعد القانونية والصلاحيات والأنظمة وآليات العمل في كل المفاصل الرقابية من جهة، ومن جهة أخرى على مستوى القوانين والأنظمة والصلاحيات المخولة للإدارات العامة ولجان الشراء والتعاقد، بما يكفل الهروب من التعقيدات والحفاظ على الاستثمارات، وتسهيل الإجراءات، وضمان حماية المال العام، ومواجهة اختلاسه والرشوة والإهمال وغش الدولة، وتفويت الفرصة على القطاع العام، هنا وهناك، عبر التأخير المتعمد وما إلى ذلك...
بشكل عام يجب تحديد مفهوم الفساد وتعريفه بشكل علمي واقتصادي وقانوني، والتمييز بين مستويات الجريمة وحتى مستويات الفساد، ليس للتمييز بين الفاسدين، ولكن لتحديد المسؤوليات والعقوبات وأدوات المحاسبة..
إن تطوير المفهوم الرقابي يعني، فيما يعنيه، أن التوسع في عمليات الرقابة هو توسع نوعي لا كمي، وهذا يعني اعتماد مبادئ علمية وقواعد شفافة وواضحة في عمل إدارات الدولة ومؤسساتها من جهة، وعلاقاتها بالهيئات الرقابية من جهة أخرى. وهذا ما يفرض بالضرورة على جهازين أساسيين هما: الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، والجهاز المركزي للرقابة المالية تطوير ذاتهما القانونية والهيكيلية، وآليات عملها بشكل جذري وثوري وخلاق يتناسب مع التحولات الكبرى التي تشهدها سورية، ويشمل ذلك، أيضاً، تطوير مفهوم دوائر الرقابة الداخلية للمؤسسات العامة، وتحميلها المسؤولية الكاملة والتشاركية مع الإدارة العامة عن نمط من الأخطاء التي قد ترتكب، والتي تنشأ عن عدم قيام هذه الدوائر بممارسة صلاحياتها وواجباتها ومهامها في الحيلولة دون حدوث الأخطاء المالية، أو الإدارية، أو الفساد بذاته، وبمعنى آخر لا يجوز إبقاء الدوائر الرقابة الداخلية وكأنها «أجهزة استطلاع» متقدمة للأجهزة الرقابية تنتظر حدوث خطأ لتبلغ عنه.. ثم نقرأ بعد ذلك عن ملايين مهدورة، أو مسروقة، أو مهربة.. والأهم من ذلك عن نفوس كنا نعتقدها أمنية على البلد فإذا هي حرامي هذا البلد..!
الفساد ليس فقط فساد الذمم المالية، والأخطر منه هو فساد النفوس الذي يبيح بعده كل فساد، ولذلك فإن أي محاسبة لهؤلاء لا بد أن تكون محاسبة علنية، لأن من يبيع نفسه لا يتأخر أبداً في بيع الأوطان.. ولهذا أشكال مختلفة ومتنوعة تؤدي كلها إلى قناة واحدة لا بد من ردمها وتحويلها إلى خبر كان..
الفساد، عملياً وواقعياً، آفة تلتهم مؤسساتنا، ومكافحتها مسؤوليتنا جميعاً، ولعلها تبدأ من مكافحة الفساد في مؤسسات الرقابة أولاً، ونحن في الإعلام واحدة منها...
سميرة المسالمة

شركاء موائد الفساد..؟

المؤسسات، كما البشر، لها مراحل تطور ونمو طبيعي، وهي إن لم تجد إدارات كفوءة تأخذ بأسباب الوقاية من وصولها إلى حالة الترهل، ومن ثم الموت الطبيعي، فهي ­لاشك­ تسير بهذا الاتجاه.. ولعلنا لا نفشي سراً إذا قلنا: إن الكثير من مؤسساتنا تعاني من حالة الكهولة التي أخرجتها من دائرة المنافسة، وحرمتها من تحقيق فعاليتها المنشودة داخل منظومة العمل المتكامل الذي يأخذ بعين الاعتبار حالة التغير البيئي الذي يتطلب تجاوباً مدروساً وعلمياً، وله سيناريوهاته الموضوعة مسبقاً من الإدارات العليا.
وإذا كان كثير من مؤسساتنا الحكومية قد استسلمت لقدرها في المرور بمراحل العمر المختلفة وصولاً إلى المغادرة، فإن مؤسسة الفساد طرحت نفسها بقوة بيننا لتؤكد أنها مؤسسة فتية ومتجددة الشباب، إذ أثبتت قدرتها على إنتاج مكوناتها وآلياتها بطريقة عنكبوتية يصعب اختراقها بسهولة.
وباعتبار أن مؤسسة الفساد لم تُطرح في الأسواق على أنها مؤسسة قانونية، فأول ما أنجزته لنفسها هو الوسائل اللازمة لتحقيق ذاتها من القانون، وابتداع أساليب جديدة للالتفاف عليه، مما يجعلها في مأمن من الملاحقة والمعاقبة كما يُخيل لها.
ولعله من البديهي والطبيعي والمفهوم أن تبذل مؤسسة الفساد كل جهدها للحفاظ على وجودها، وتغلغلها بين المؤسسات جميعها، إلا أن ما هو غير طبيعي وغير مفهوم أن تكون آليات معالجة الفساد ومواجهته والوقاية منه، متخلفة أحيانا، بل تسهم في أحايين أخرى، سواء عن قصد أوغير قصد، في إطالة عمر مؤسسة الفساد وتفرع أذرعها في كل مكان، سواء كانت هذه الأذرع متورطة حقاً في الفساد كجرم أم مغلوب على أمرها تنفذ، بحكم التقليد أحيانا والتبعية في أكثر الأحيان، ما يصلها من قرارات وإيعازات وأوامر..
إن أول المناخات التي تستفيد مؤسسة الفساد منها هي غياب قيمة الزمن لدى المؤسسات المعنية بالرقابة والمتابعة وقياس الأداء، ذلك أن الزمن كقيمة لا يقاس بشكل رقمي، بل يقاس بعائدية هذا الزمن سواء لجهة تعاظم الأخطار والأضرار أم لجهة فوات الربح على الدولة، أم لجهة نظرة الجمهور المطلع، أو العارف، أو العالم بوجود فساد متروك رغم مرور الوقت، ورغم رائحته التي تزكم الأنوف.
ولو أجرينا، في أي وقت، بعض استطلاعات الرأي في الشارع الاقتصادي أو الإداري أو حتى في الشارع العادي، لوجدنا إشارات بالكلمات أو بالأصابع إلى مواقع للفساد لا تمس أحياناً، أو تبقى تحت عمليات التفتيش والرقابة أوقاتاً طويلة، وتنتهي في بعض الأوقات إلى لا شيء، أو إلى شيء بسيط لأن الارتكابات تموت بفعل التقادم المفتعل..؟!
إن ما ينشأ من أضرار عن صرف النفوذ واستغلال الوظيفة ليس، فقط، قيمة مالية موجودة ومعترفاً بها. بل هناك قيم أخرى غير منظورة تنشأ أحياناً عن تأخر بعض الادارات والمديرين والموظفين عمداً عن ممارسة واجبات ومهام في انتظار عروض أفضل وخيارات أكثر ربحية لجيوبهم، وليس للدولة.
تحت عناوين إدارية تبدأ من التدقيق لتنتهي بالبحث عن «مصلحة الوطن»، والحقيقة هي البحث عن مصالح ضيقة ومحدودة، وقد لا يكون صعباً التضحية من أجلها بمصلحة الوطن نفسها.
وفي كل الأحوال، الحرب على الفساد لايجوز أن تتبع سياسة الحملات التي يفصل بين كل حملة وحملة فساد، بل جبال من الفساد تكاد تحجب الرؤية، وتضلل المسار، وتجثم على صدر الحقيقة والعارفين بها كما الموت المحتم..
يجب أن تكون الحرب على الفساد، أيضاً، عملاً مؤسساتياً يكون فيه القضاء آخر المحطات، وتكون فيه الرقابة السابقة والموازية خياراً أساسياً وملزماً، وقرارات المعالجة سريعة لا تفسح مجالاً للمراوغة والمداورة، وربما للوساطة، أن تكون كلمتها مقابل كلمة الحق والحقيقة والصواب...
إن من صرف نفوذه، واستغل وظيفته لم يولد بيننا بين ليلة وضحاها، بل ترعرع بحماية من يكبره فساداً، وكبر في ظل صانعي مناخ الفساد، وأصبح أحد أعمدة مؤسسته على قاعدة: إن مَن يأكل العشرة يطعم التسعة..
إذاً، علينا أن نبحث مع كل ما اقترفه من هم اليوم قيد التحقيق، وأمام القضاء، عن شركاء موائدهم، لعلهم كثر بيننا...
سميرة المسالمة

صناعة المناخ الاستثماري...

صناعة المناخات الاقتصادية ليست مجرد شعارات إعلامية على الرغم من أهمية الإعلام وضرورته لجهة التعريف والتنوير، وإدارة الحوارات حول هذه المسألة، وهذا يعني أن ثمة شروطاً ضرورية أخرى وسابقة لتأسيس واقعي وحقيقي للفرص الاستثمارية في سورية، مع ملاحظة كل المعوقات الموضوعية منها، والمصطنعة، بغض النظر عن حجم هذه المعوقات وعن مصدرها أحياناً، وكي لا نبقى في العموميات التي لا تنتج في الكتابة إلا التمويه والتشابك، بينما الدخول الى الخاص والمباشر يؤسس لكتابة نوعية ذات هدف واضح وشفاف...
صناعة الاستثمار لا تحتاج، فقط، إلى رغبات وعواطف وكلام منمق وجميل ودعوات، وعلاقات شخصية تشجع بعض المستثمرين على الحضور فحسب، بل هي بحاجة إلى ثقة من المستثمرين لعناصر أساسية تجعل المستثمر واثقاً ومعتقداً، إلى حدّ اليقين، بأنه سيربح ويستفيد مادياً، وبلغة الأرقام وليس بأي لغة أخرى، وهذا يعني أنه سيتعرف على سورية من خلال دراسته الاقتصادية الخاصة التي ستأخذ بعين الاعتبار كل العوامل الاقتصادية والقانونية والسياسية بما في ذلك الأنظمة والإجراءات واليد العاملة والوقت كقيمة، وأخيراً سيأخذ بعين الاعتبار التسهيلات التي تقدمها الدولة وموظفوها ونوافذها الواحدة، وكبار مسؤوليها، ومحاكمها ومصارفها.. ثم يتخذ القرار بذاته مجرياً الكثير من المقارنات مع المناخات الاستثمارية في دول أخرى ليقرر أين سيوظف أمواله؟
إذاً نحن في قضية الاستثمار خاضعون للمنافسة مع دول أخرى، وتسهيلات مماثلة ووافرة، وإجراءات أمام دوائر الدولة تكاد تصل إلى حدود هائلة في السرعة والموافقة والدعم أحياناً من قبل أجهزة دول أخرى..
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف نجذب مستثمرين؟ وليس، فقط، من الاعتقاد بأننا الأفضل مناخاً وقوانين وإجراءات .. علينا أن ندرك أن كل المستثمرين العرب يحبون سورية، ولكن محبة سورية شيء، وتوظيف أموالهم في مشروعات في سورية شيء آخر. الأصل في المسألة، إذاً، هي صناعة المناخ الاستثماري القائم على العلانية والشفافية والسرعة التي يجب أن تكون متسارعة ومنافسة لسرعات الآخرين..
في بعض الدول يمكن أن تؤسس وترخص لشركة خلال ساعات، بينما علينا أن نواجه أنفسنا بأسئلة نجيب عنها بكل صراحة: كم الزمن اللازم للترخيص في سورية؟ ولماذا هذا الزمن؟ ومن المسؤول عن كل هذا الزمن الذي يهدر، ولمصلحة مَنْ يهدر؟!
وإذا سجلنا لذاتنا ذلك التطور الحاصل على مستوى الصياغات والنصوص والبلاغات، فعلينا أن نسجل، أيضاً، تلك الهوة الشاسعة في قضايا التعليمات التنفيذية للواقع العملي وطول الإجراءات وفقدان الإحساس بقيمة الوقت لنا وللمستثمرين.
وهذا التسجيل ليس من باب التقويم فقط، بل هو من باب تسليط الضوء على واقع لا يتناسب مع حجم المتغيرات التي طرأت على قوانين غايتها تشجيع الاستثمار.
ولذلك يجب أن تتوافق عناصر ذات صلة بالزمان والهدف والسرعة لنتأكد من أن المستثمرين يستفيدون من هذه العناصر التي هي جوهر وسر ما يسمى دراسات الجدوى الاقتصادية في أي مشروع.
يجب أن تتشكل لدى المستثمرين وفي عقولهم، لا في قلوبهم فحسب، ولدى محاسبيهم، وليس لدى عائلاتهم فقط، قناعة تامة وثقة نهائية لجدوى الحضور إلى سورية، ليس لحضور المؤتمرات والزيارات فقط والاطلاع على المشاريع المعروضة للاستثمار، بل للاستثمار فعلاً والبحث بذاتهم عن مشاريع استثمارية لم تدرس بعد، ولم تعرض من قبل الدولة بعد..
من المؤكد أن ما أنجز على صعيد البنية القانونية للاستثمار كان عملاً كبيراً ومهماً، لكن هذا العمل الكبير يفقد زخمه عندما تدخل ملفات الاستثمار دهاليز الموافقات والمناقشات والتراخيص والحديث عن المخالفات، وبين أيدي موظفين في البلديات، وبعض المؤسسات والوزارات ما يدفع المستثمرين إلى ترك مشروعاتهم أحياناً واقفة على طريقة أشجار السنديان «التي تموت واقفة» ويذهبون..
المستثمر أيها السادة شخص أو «شركة» جاء ليوظف مالاً، وأيدي عاملة، وخبرات بهدف الربح السريع، ولكل دقيقة في ملفه وإجراءاته قيمة معايرتها المالية دقيقة، حتى تذكرة الطائرة التي يأتي بها على نفقته إلى سورية هي جزء من حساباته التي توظف للمشروع.. علينا أن نفهم ذلك، ونتعاطى معه على هذا الأساس.
نحن في سورية نؤمن أن من واجب الحكومة صناعة المناخ الاستثماري «وهي قد فعلت حقاً» ومن واجب مؤسسات الدولة، بمختلف اختصاصاتها، أن تؤمن عناصر الحياة لهذا المناخ حتى لا تتبعثر الجهود، وتضيع الآمال...
سميرة المسالمة

ما يجب أن ينجز!..

ليس مهماً وضع الخطط والدراسات بمعزل عن تنفيذها وعن متابعة الخطوات المتسلسلة والمتعاقبة التي تنتهي عادة بافتتاح أو تدشين هذا أو ذاك المشروع.
وبالعودة إلى خطة خمسية سابقة للدولة تبدو المنطقة الشرقية بحاجة ملحة إلى إجراء مراجعة جادة من قبل الحكومة والوزارات المختصة كل في قطاعه واختصاصه لمشاريع وردت في الخطط ولم تنفذ، أو تأخر تنفيذها ولم تكتمل، لكن ذلك وحده لا يمكن الركون إليه كعامل كاف ومؤثر في تنمية المنطقة الشرقية بما يتلاءم مع إمكاناتها وموقعها وحاجات سكانها في آن معا، وهذا يعني بالضرورة أنه لابد من رؤية اقتصادية اجتماعية كلية لتلك المنطقة، تلحظ كل ما تقدم في إطار الأهداف العامة للدولة، ولذلك فإن الزيارات الميدانية التي يقوم بها الوزراء والمعنيون مفيدة على ألا تدخل تقاريرها ونتائجها في دهاليز الاجتماعات واللجان، وتضيع بين زواريب الروتين وتشابك المسؤوليات وفي الوقت المديد الذي عادة ما يأكل الزمن والخطة وحتى المخططين.
على كل حال فإن مشروع التنمية والنهضة الوطنية هو مشروع متجدد بطبيعته ولكنه بحاجة إلى نوع من المراجعة الدائمة والمستمرة دون انقطاع بعيداً عن المناسبات والاحتفاليات والمفاجآت..
إن الدول لا تبنى أبداً إلا بالخطط التي تنفّذ، وهي بالضرورة خطط طامحة ليس مهمتها فقط أن تلحق وتلاحق الوقت الذي فات، وأن تعالج مشكلة مزمنة هنا أو هناك، إن الخطط المطلوبة يجب أن تبدأ من المنطقة نفسها، ومن خلال ما اطلع عليه السادة الوزراء خلال جولتهم، لكن خارطة الطريق الى تنفيذها تبدأ من آلية التعامل مع هذه الخطط لتكون واقعا تنفيذياً يبتعد كل الابتعاد عن الاستعراضات الإعلامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إلا اللهم إشباع رغبات مَنْ همْ ضمن كادر الصورة ليس إلاّ.. لكن حتى هؤلاء عندما تكون الخطط محكمة، والجدول الزمني مبرمجاً، تصبح هذه الصور أدلة والعَراضات الإعلامية مستندات لمحاسبة المقصرين منهم وغير المنجزين لمهماتهم..
إن المنطقة الشرقية بذاتها هي رصيد اقتصادي فيه من المكونات والتنوع ما يكفل مردوداً مادياً واجتماعياً لا نظير له فيما إذا أحسن استثمار الطاقات البشرية والمادية في ســـــــياق زمني يناسب ­كما قلنا­ الأهداف العامة للدولة، وهنا تبرز قيمة الوقت كعامل أساسي في ظرف استثنائي وملحّ تطرح فيه مقولات التكامل الاقتصادي الإقليمي، وتكون فيه قضية الأمن الاقتصادي والمعيشي والحياتي عنصرا ملحاً في منظومة الأمن الوطني والقومي والإقليمي.
إذاً أمام الحكومة ملف كبير عنوانه: استنهاض وتنمية طاقات منطقة مهمة بكل المعاني فهل نفعل وننجز ما لم ينجز؟ بل ننجز ما يجب أن ينجز ليس نيابة عن الماضي بل استشراف للمستقبل.أمام سورية مرحلة مهمة اقتصادية ليس على صعيد داخلي فقط وإنما على صعيد المنطقة وهذا يستدعي بالضرورة أن نتعامل مع كل ما هو متاح لدينا وفي كل مناطق سورية الشرقية مع أهميتها والغربية مع جدواها والجنوبية مع ثرواتها والوسطى مع غناها لأنها جميعها، أرضاً ومورداً بشرياً، تشكل سورية بواقعها الاقتصادي والقوية بقرارها السياسي.
سميرة المسالمة

لـــــــــــروحــــــــــــــــه الخــــــــــــالـــــــــــــــــــدة

في سيرة زاخرة بالعطايا ومخزونة بالحكايات لرجل علّمنا أنه بالحب تعمر أسرارنا ونفني أعمارنا وعليه يكون إعسارنا وإيسارنا، هي سيرة رجل أشهد الله على نفسه مكتفياً به شهيداً، ومستنصراً به على الردى، ومؤمناً بحكمه باعتباره نذراً مربوطاً إلى العنق، ذاك هو حافظ الأسد...
رجل المآثر والسجايا الخالصات الذي رسم المودة مع الناس باليد قبل اللسان ففاض صدقه فيضاً، والذي نهض بثقل حمله بالمروءة المانعة من الخطأ مسترشداً بالأعلام إذ يخلو بفكره دليله المقنع وبرهانه المرشد، موفياً بالعهد إذا عاهد وبالعقد إذا عاقد..
هو حافظ الأسد الذي تمر ذكرى غيابه التاسعة فتطل علينا تلك السيرة العطرة التي تحمل على الفخر والاحترام والتقدير لإنسان استوفى مدته الموهوبة متمماً غايته المكتوبة، وفي هذه الذكرى فرصة للقول بأن حال سورية الآن وهي تتمتع بالصلابة والثبات، وهذه المكانة الراقية، إنما هي انعكاس لثوابت منطق سياسي يقوده ببراعة واقتدار الرئيس القائد بشار الأسد مؤسساً على تاريخ حافل بالصمود والانجازات ومرسخاً لمكاسب الماضي بانياً عليها موسعاً آفاقها مطوراً لصورها ومضيفاً إلى جانبها من إيمانه ومحبته وثقته بالوطن والشعب..
سورية مستمرة في حراك ونشاط وثقة وهمة ووحدة وطنية متينة وصلبة تنمو أكثر فأكثر مجددة بشكل مستمر حضورها الإقليمي والدولي باعتبارها موطناً للحياة والحرية والكرامة والحضارة وبصفتها مهداً للحضارات وملتقى للثقافات وأرضاً للحوار والعيش المشترك ونبراساً للإبداع والنور والانتاج الانساني الخلاق.
سورية اليوم وهي تذكر قائدها الخالد حافظ الأسد تؤكد أن لذلك الرجل مكانة في قلوب السوريين ومحبة لا يمكن فصم عراها، وهو قائد التصحيح وتشرين التحرير وصاحب الإنجازات في كل مكان على امتداد الوطن..
ويدرك السوريون بفعل طبيعتهم وتكوينهم وهويتهم الانسانية والوطنية أن بناء الوطن وتعميق إنجازاته وحمايته تحتاج إلى الكثير من العمل والتطوير والتحديث والاشتغال على كل المستويات في ظل قائد يحمل الهم الوطني والقومي في صدره وعقله ويعبر عن ذلك بأدائه اليومي ولذلك يرى السوريون في الرئيس القائد بشار الأسد النموذج العملاني والأخلاقي والحضاري والقيمي ليستكملوا معه حب سورية وبناءها والذود عنها..
سميرة المسالمة

بين الفعــــــــــــــــل والانفعــــــــــــال

بين أن نكون فاعلين أو منفعلين ليس بوناً شاسعاً كما يعتقد البعض أنه ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بين قدرتنا على العمل وبين العمل كفعل، وبين قدرتنا على صياغة القوانين وبين إقرار هذه القوانين، وبين تفريقنا لضرورات التعديل لبعض نصوص القوانين وفهمنا لهذه الضرورات وموجباتها، وبين أن نفهم التعديل أنه تحسين وتجويد وبين أن يتحول التعديل إلى مجرد أو حتى وسيلة لإيجاد ضرورة موجبة لتعديل جديد ثم آخر.
في الحقيقة موجبات التعديل في القوانين واضحة للجميع هي أن نقود هذا الوطن لاستقرار تشريعي، تبدأ من هذه النقطة تحديداً عملية التنمية المستدامة إذ إننا نعلم جميعاً أن لا تنمية يعول عليها دون قوانين واضحة مستقرة تأخذ طابع الديمومة لأبناء الوطن أولاً ثم للمتطلعين إلى دخول سوق الاستثمارات على مساحة سورية جميعها وللمستثمرين أنفسهم.
إن استقرار القوانين هو الأولوية اليوم بكل الاتجاهات لحدوث فعل التنمية المستدامة والتنمية لا تعني فقط تنمية الحجر وإنما يقصد بها تنمية البشر أيضاً.
القوانين التي تتعلق بمعطيات التنمية إذا لم تستقر وتتوضح وتصبح نصوصاً نافذة تتبلور من خلالها الأفعال وتراقب على أساسها الأعمال وتكون هي الفصل بين الناس والأقرب منهم الى الصلاح أو الأبعد تحول المناخات الإيجابية إلى مناخات مزاجية مرهونة باجتهادات اللجان واختلاف آراء أعضائها وربما تناقضها وهذا ينطبق طبعاً على كل ما يدور عنه الحديث اليوم من قانون التطوير العقاري إلى الرهن العقاري إلى قانون تنظيم المخالفات إلى كل ما يتعلق بمفردات الواقع التنموي إلى قانون أصول المحاكمات إلى...
ولعل هذا أيضاً يقودنا إلى قانون الأحوال الشخصية الذي لابد أن ترتهن لأجله الكفاءات وتوضع في سبيل تعديله كل الخبرات إلى ما يضمن حقوقاً أكثر ومصونية أكبر وامتيازات أكثر وضوحاً، ورؤى أكثر تجاوباً مع معطيات الواقع السوري وما قطعه من مراحل متقدمة تجاه المرأة والطفل بما يعزز مفهوم المواطنية لدى كل أبناء سورية بمختلف أطيافهم وأديانهم تعزيزاً للحقوق وتأكيداً لمبدأ المساواة بين الجميع على أساس أنه قانون لكل سورية ولكل السوريين.
على هذا الأساس نفهم ونتفهم ونقنع بأن ضرورات التعديل تؤدي إلى مخرجات إيجابية وحضارية وتعكس حقيقة الطبيعة السورية بكل تفاصيلها وأجزائها، وتضع بحسبانها أنها قوانين تحمل الديمومة فرغم أن التعديل والبحث في القوانين حالة حضارية بامتياز لكن عندما تكون لأسباب جوهرية وينتج عنها ما هو أكثر موثوقية وقدرة على توطين الحقوق وتوسيع أبواب الوصول إلى هذه الحقوق.
هكذا نتحول وبتجاوز الخيط الرفيع ذاك من منفعلين إلى فاعلين بكل الاتجاهات التنموية سواء تلك المتعلقة بالأرض وما بني عليها أو بمن خرج من الأرض وسيؤول إليها.. أي تنمية البشر والحجر معاً.
القوانين هي ضمانة الناس والاقتصاد والوطن وبقدر ما نستطيع أن نعمل على أن تكون واضحة النصوص مضبوطة الجمل، بقدر ما نستطيع أن نغلق منافذ الفساد إليها وعبرها، وهي الوحيدة التي يمكنها أن تكون الملاذ الآمن والحد الفاصل بين الفعل والانفعال ضماناً لتحول حقيقي في كل المسارات لأن نكون الفاعلين المؤثرين في بناء هذا الوطن.
من المفيد جداً أن نتطلع إلى قوانين لا تحتاج إلى تعليمات تنفيذية ولكن إن كان لا بد منها أي التعليمات التنفيذية فلا نقبل أن تحتاج هذه إلى فترات زمنية طويلة لإخراجها وربما تصبح هي في واد والقانون في واد آخر... لكن من المفيد أيضاً أن تخرج التعليمات التنفيذية لتكون عاملاً مساعداً على وضوح القوانين وليس على إمكانية جواز قراءة القوانين بالقراءات المختلفة فتصبح الاجتهادات كثيرة وأقربها إلى مصلحة كل منا أغلاها ثمناً وأصعبها طريقاً..
سميرة المسالمة

الإعلام بين جلد الذات وظلم النقد

أسهل الطرق إلى النيل من الآخر اتهامه بالفشل ليس على قاعدة أننا نملك كل الحقيقة، أنه فاشل، بل على قاعدة أننا وغيرنا لا نملك مقومات ومعايير التقييم، لذلك يصبح كل شيء خاضع فقط لمزاجية المقيّم، ومعايير رفضه هو مدى مصلحته في هذا التقييم تقرب أو تبعد، وأحيانا يكفي أن يكون الرأي كطرح هو القضية، لا الرأي كموضوع ورؤية ومعايير، لنعرف أننا أمام حالة غايتها إثارة ضجيج للتذكير بوجود من يئس من التجاهل ليس أكثر...
كثيراً ما يتعرض أداء المؤسسات على اختلاف أنشطتها إلى تقييم يتوزع بين أن يكون موضوعيا مبنياً على حقيقة رقمية أو تقريرياً مبنياً على معلومة السوق المتداولة بين الناس.
وفي هذا ما يمكن دحضه علمياً أو تقييماً إنشائياً عندما تسأل صاحبه لماذا؟ يكون الجواب هكذا بمعنى «هيك» أو تقييماً تاريخياً مبنياً على معلومة لم يحدّثها صاحبها واعتبرها إحدى المسلمات التي لا يمكن المس فيها وعيباً لا يمكن علاجه وسمة غير قابلة للتعديل والاجتهاد فيها...
وبغض النظر عن الفشل أو الاتهام به وبغض النظر عمن يتهم أو يُتهم فإن مقاربة مسألة النجاح والفشل هي في المحصلة مسألة معيارية أي إنها لا يمكن أن تكون مسألة جزافية أو انتقائية، هذا إذا كنا نتحدث بعقل المؤسسات وعن مؤسسات، ولم يكن الحديث ليأخذ الجوانب الشخصية أو يشخصن المؤسسات ذاتها.
لطالما اتهم الإعلام السوري بكثير من الكلمات والمصطلحات التي يحاول البعض أن يقول فيها: إن غياب قدرة الإعلام السوري على المنافسة مرده ضعف الكادر أو الإدارات أو.. أو... وهذا لا يعفينا من الالتزام بقول الحقيقة حتى ولو كانت تنال من ذاتنا، ولكن ليس على طريقة جلد الذات وتغييب الموضوعية والدقة والشفافية في مناقشة مسألة مهمة كهذه..
طبعاً أنا لا أقول إن الإعلام السوري هو أفضل إعلام عرفته أو سمعت عنه ولكن بالتأكيد أرفض القول: إن الإعلام السوري بلا دور، أو بلا هوية، أو إنه غائب، أو غير ذي قيمة أو إنه يتخبط كما يحلو للبعض توجيه الاتهامات إليه بهذه الكلمات، فالنقد لا يجوز أبداً أن يتجاوز الحدود إلى الظلم وكذا المديح لا يجوز أبداً أن يتجاوز الحدود إلى الكذب، نعم لدينا في الإعلام السوري مشكلاتنا كما لدى كل إعلام في العالم مشكلاته، من القانوني إلى الإجرائي إلى الموضوعي إلى المادي وحتى إلى المعنوي، ولكن نقول بصراحة: إن ثمة تغييرات تحصل وتطورات تحدث وجهوداً تبذل وأرقاماً تزداد ومبيعات ترتفع وظروفاً تتحسن، وهذا كله لا يحدث أبداً بشكل اعتباطي أو تلقائي، بل هذا نتيجة طبيعية لإدارة منتظمة ومنظمة ونقاشات وجدل عميق ومبادرات على كل المستويات في كل الهرم الإعلامي تفضي بالمحصلة إلى حقيقة مفادها أن الإعلام السوري يتطور كماً ونوعاً، الخاص منه والحكومي، موضوعاً ورقماً وصدى وتأثيراً بالرأي العام والاقتصاد والخدمات وكذلك في السياسة والخبر.
وعود على بدء وليس من قبيل التفاخر أو التبجح فإن الأمثلة التي نشير إليها بالجمل العريضة موجودة ومحسوبة بالرقم، ووفق أحدث الطرق العلمية ويذكرني بعض الهجوم على الإعلام السوري بمقولة مزمار الحي لا يطرب، ومع ذلك فربما أن مزمار الحي لا يطرب أحياناً ولكن حق المزمار علينا وحق الحي علينا واحتراماً للطرب الإعلامي فإن الواجب يقضي أن نقول الحقيقة دائماً..
الحقيقة أيها السادة: إن إعلامنا بخير وإنه إعلام مجتهد وإنه مصرّ بكوادره وإداراته وقياداته على متابعة التحصيل والارتقاء لكنه يحتاج بالتأكيد إلى مساندة ولو معنوية، ولا يحتاج بالتأكيد إلى الطعن فيه خارج حدود النقد المشروع والبناء والموضوعي..وإذا كنت تناولت الإعلام مثالاً على سهولة ما يمكن تداوله من أحكام، فإن هذا لا يعني أن بقية المؤسسات غائبة عن التقييم ومقاربة فشلها ونجاحها من موقع الاتهام فقط، ومن موقع غياب مصلحة البعض بالاعتراف بتطور هذه المؤسسة أو تلك، وربما من موقع الاستسهال بمسؤوليات النقد ما يحوّل هذا النقد من أداة للبناء إلى أداة للتهديم وجلد الآخر وأحيانا إلى تغييب هذا الآخر واقصائه، وهذا ما يحدث اليوم في نقدنا حتى نحن «الإعلام» وللسياحة والاقتصاد والخدمات والثقافة وكل تفاصيل الحياة السورية فنغيّب جمالياتها وايجابياتها على حساب تعظيم مشكلاتها وسيئاتها..
سميرة المسالمة

مــــن أيــــــــن لــــك هــــذا؟.. الحـــــــرب الــــــدائمـــــة

ليست موسمية، وليست حاجة تقل أو تكثر، وليست قفزاً في الهواء، وليست حرب جيوش نظامية، لأن كل ما سبق يعني أن تنحصر ضمن زمن محدد وهو ما يضعفها ويقلل من هيبتها ويجعل شخوصها أكثر قدرة على التحرك باتجاه الاستمرار وإعلان نصرهم المقيت علينا.
الحرب على الفساد حرب الرفض الدائم لوجوده بيننا، وحرب إرادة الاصلاح التي لا يجوز أن تكون حرارتها غير ثابتة فتشتد حيناً، وتخمد أحياناً لمصلحة أن يستجمع الفاسدون قواهم، ويعيدوا ترتيب أوراقهم لجولة جديدة تطيح بمقدرات مؤسساتنا وتُمأسس لمقدرات فسادهم.
صحيح أن ما تتناقله الصحف اليوم من أخبار عن حرب لا هوادة فيها على الفاسدين باتت تشكل حجر الزاوية في أن هذه الحرب أخذت مفهوماً جديداً بعيداً عن شخصنة قضية محاربة الفساد، وبعيداً عن مفهوم هبّات الصحوة على الفساد مقابل سبات طويل ترك الساحة للفاسدين مفتوحة في مجالات كثيرة حتى في تلك القلاع التي كنا نعتقد لفترات طويلة أنها محصنة منيعة عليهم، إلا أن هذه الحرب فتحت آفاقاً جديدة لأسئلة كثيرة: إلى أي مدى تستطيع هذه الحرب الاستمرار؟ هل نستطيع القول إن كل فاسد »مخطئ قانونياً« وبالتالي يمكن ملاحقته؟ هل مؤسسة الفساد بكل قدراتها التكنولوجية تعجز عن إدارة فسادها قانونياً؟ هل يمكن للراشي »وهو أحد طرفي الجريمة« أن يوثق فساد المرتشي؟ هل دلائل الفساد ورقية فقط، أم إن ملامح الفساد التي لا تغيب عين الشمس عنها أدلة يمكن الدفع بها باتجاه المحاسبة بدلاً من منع المحاكمة؟
هل يتحول السؤال الأكبر إلى حقيقة في حياتنا، وهو: من أين لك هذا؟ ليس للحصول على إجابة مختصرة تفيد أن كل أثرياء الحاضر ورثة آبائهم الذين مع كل أسف عاشوا حالة الحرمان الحياتي ليلقوا بمئات الملايين الى أحضان أولادهم، أو أن أغنياء الآن هم من رابحي اليانصيب في دوراته المميزة، لأن جوائز اليانصيب الآن أصبحت تدخل في عملية تبييض الأموال من حيث لا ندري، حيث اشترى أحد الفاسدين بطاقة اليانصيب الفائزة بزيادة عن الجائزة فقط لينشر اسمه بدلاً من الرابح وتدخل الجائزة في حسابه كمورد أساسي لثروته المفاجئة.
الفساد ليس فقط له دلائل، بل أيضاً له رائحة تزكم الأنوف و»حواديت« تتناقلها العامة كحكايات شهرزاد في لياليها الحمراء.
وليس صحيحاً أبداً أن المناخات التشريعية كانت سبباً بقدر ما هو صحيح أن القوانين الخاصة بمحاربة الفساد موجودة وكافية ومعبرة. ولكن المسألة تتعلق بـ: كيف يصل الفاسدون إلى القضاء، وما الآليات التي تضمن أساساً جمع المعلومات الكافية قبل احالتهم إلى القضاء؟
هل تقارير الجهات الرقابية هي تقارير موثقة وكافية؟ إذا كانت كذلك فلماذا يدهشنا أن بعض الفاسدين مازالوا مستمرين وقائمين بفسادهم وافسادهم؟
وإذا كانت وثائق الجهات الرقابية غير كافية، فهذا يعني أنه لابد من وجود جهاز يعمل بسرية وعلانية حسب الحاجة والظرف، ويستطيع أن يدقق ويحقق وحتى أن ينصب الأفخاخ والكمائن ويصور ويسجل ويستخدم كل الطرق المتاحة لكي يصل إلى وثائق الفاسدين وأفراد شبكاتهم ومبالغ حساباتهم، ومن يسهل لهم ومن يرتشي، ومن يضع الشروط الفنية، ومن يفض العروض ومن يغض النظر ومن يعطل المشاريع عامداً، ومن يؤخر التنفيذ ومن يتحرش بالناس لتنسحب من الاستثمارات تحت عناوين التعقيد والروتين.
المطلوب أيها السادة، وعلى وجه السرعة، وبكل حكمة وجدية، هيئة مهمتها إعلان الحرب على الفساد وليس مكافحته على طريقة مكافحة الجراد موسماً بعد آخر، وما بين الموسمين مساحة خضراء للفاسدين يجنون ما يشاؤون، ملايين منتزعة من قدرات اقتصادنا الوطني أياً كان ملعب الفساد الذي يمارسون فيه ارتكاباتهم.
إن محاربة الفساد تدخل في معنى بناء الذات الوطنية، وهي واجب على كل السوريين، وليست عملاً سلطوياً فحسب، ولكن توفير مؤسسة حقيقية واسعة الصلاحيات لمحاربته يجعل من كل مواطن مسؤولاً في موقعه عن تقديم المعونة لها على قاعدة أن الحرب على الفساد هي فرض عين وليست فرض كفاية. وإننا كلنا جنود من أجل تحقيق النصر على مؤسسة الفساد والفاسدين.
من يعتقد أنه ربح جولة لمصلحة فساده، فلابد أن يدرك أن أعمار الفاسدين مهما طالت فهي قصيرة، لأنهم لا يمكنهم أن يعرفوا معنى الخلود إلا بحيّزهم الضيق من حكايات تتحدث عن دور الأشرار في مجتمع الأبرار ليس إلا.
»من أين لك هذا« سؤال كبير، إجاباته يجب أن تقترن بوثائق الضرائب وحوالات المغتربين، بعيداً عن أن الأثرياء المحدثين هم فقط أصحاب الحظوظ السعيدة، وأن تاريخ الجد والاجتهاد ليس عاملاً مهماً في معرفة مصداقية هذه الإجابات.
هذا السؤال يجب ألا يتوجه فقط إلى أصحاب القامات الرفيعة والمناصب العالية، إنما هو سؤال يخص كثيراً من الناس داخل أروقة القطاع العام وخارجه، لأن الفساد لم يكن يوماً ليولد على طريقة انشطار الخلايا.
سميرة المسالمة

الإدارة بالخوف إلى متى؟!..

بين الخوف من ارتكاب الخطأ، والخوف من فهم الخطأ ارتكاباً، يقع سؤال مهم: هل آلية اتخاذ القرار الإداري هي موضع بحث على أساس أنها أولوية من أولويات الإصلاح الإداري الذي يعده البعض أنه يجب أن يسبق كل إصلاح لأنه أساس يبنى عليه في كل الاتجاهات؟...
لماذا أصبح اتخاذ القرار عبئاً على المسؤول، يضغط على موقعه حتى كاد الابتعاد عنه منجاة تتيح فرصاً أكبر للحفاظ على المناصب، والابتعاد عن خطر المبادرات الإدارية في اتخاذ قرارات تقع ضمن الاختصاص، وداخل أروقة الصلاحيات، ما جعل الكثير من المسؤولين يدفعون باتجاه تشكيل اللجان توزيعاً للمسؤوليات في محاولة للدفع بعيداً عن تحمل مسؤولية القرار خلافاً للأنظمة النافذة التي تؤكد أن الأصل في اتخاذ القرارات مبني على تراتبية وظيفية معنية تؤسس له، سواء أكان القرار تنظيمياً أم فردياً، وأن الخروج عن هذه التراتبية أو الهيكلية يجب أن يكون لأسباب أكثر من مهمة تخرج عن إمكانية أن يتحمل أصحاب المناصب مسؤوليتها أو أنها تشكل قرارات لا سابق لها، وهي ذات بعد عام يمكن أن يُقاس عليها لاحقاً حيث تشكل أساساً تنظيمياً جديداً لما هو مستجد على الساحة التنفيذية بمختلف نشاطاتها من إدارية إلى اقتصادية أو اجتماعية أو حتى قانونية.
إن لجوء الإدارات إلى تشكيل لجان دون ضرورة يهدر الوقت ويوزع المسؤوليات، وهو يقع تحت احتمالين، ليس أفضلهما ما يؤخذ على أنه بحسن النية، تهرب متعمد من اتخاذ القرار، أما ما يقع تحت سوء النية فله عناوين كثيرة ربما يقع أولها في إطار تمييع المواضيع أو تعظيمها، أو أنها اعتراف صريح بالجهل الإداري الذي قاد أشخاصاً إلى غير مواقعهم المناسبة التي يمكن أن يضطلعوا بمسؤولياتها..
إذاً، نحن أمام خيارات إدارية جديدة، إما أن نضع الأشخاص في أماكنهم المناسبة فيجيد هؤلاء تحمّل مسؤولياتهم واتخاذ قراراتهم بحكم موقعهم الوظيفي الذي يخوّلهم لهذا الأمر، وإما أن تصبح اللجان التي تحولت إلى ظاهرة عامة في كل مؤسساتنا الحكومية هي المرجعية الإدارية فنستغني عن كثير من المناصب لمصلحة هذه اللجان وشبح هيمنتها على قرارنا الإداري وربما الوزاري أيضاً..
إذا كنّا ندعو في الإصلاح الإداري إلى محاربة البيروقراطية، فإن أحد أهم عوامل إنعاش هذه البيروقراطية تخلي أصحاب القرار عن قراراتهم لمصلحة لجان تجتمع ثم تجتمع لتنبثق عنها لجان فرعية ثم أكثر تخصصاً وهكذا..
لاشك أن لدى بعض المسؤولين أسبابهم في تقليص مساحة مسؤولياتهم، إلا أن هذه الأسباب من شأنها أن تتحول إلى اعتراف شخصي بعدم الكفاءة والقدرة على التحرّك داخل هذه المساحة بكل مقدرة واحتراف، أو أنها حالة الخوف المتجسدة بشاغل الوظيفة العامة النابعة من حقيقة اعترافه بعدم أهليته للمواجهة والدفاع عن قراراته فيوزعها على لجان موسعة أو مصغّرة لتتحمل مسؤولية الدراسة والبحث وتقديم اقتراحات الحلول، وربما لا يفوتنا أن نذكر أن القراءات الخاطئة من قبل الجهات الرقابية لأعمال الإدارات والقرارات الناتجة عنها كانت السبب في دب الخوف في قلوب المسؤولين،على مبدأ من رأى غيره يقع بغير حق فعليه اتخاذ الوسائل لئلا يكون الضحية القادمة، ومن هنا.. وجد المثل القائل: من يعمل يخطئ ومن لا يعمل حتماً يتجنب كل الأخطاء المتوقعة أو المحتملة أو حتى تلك التي لابدّ أن تحدث للباحثين عن تعميق التجربة الإدارية..
لا شك أن الإدارة بالخوف هي واحدة من معوقات أي إصلاح، بدءاً من الإداري الذي هو أساس الإصلاحات ومنطلقها، وانتهاء بكل عمل متميز نبحث عنه في توليد الحالة المثلى للعمل في مؤسساتنا على اختلاف نشاطاتها..
ولاشك أن اللجوء إلى خيارات غير صحيحة يؤدي إلى إدارات غير مؤهلة للقيام بواجباتها، فتلجأ إلى الإدارة باللجان بدلاً من الإدارة بالقانون الناظم لتراتبية الوظيفة الإدارية وتحمّل مسؤولياتها..
إن الانتقال من الرقابة اللاحقة إلى الرقابة الوقائية هو العلاج الحقيقي الذي يحمي مقدرات البلد ويسهم في إعداد الصف الأول الإداري، كما يجب أن يكون، مسؤولاً عن قراره قادراً على الحركة بحرية في المساحة التي أجازها القانون والهيكلية الوظيفية، ويهيئ المناخات المناسبة لإدارات مفصلية قادرة أيضاً على النهوض بالواقع الإداري دون اللجوء إلى اقتراح التحول إلى الإدارة باللجان..مع التأكيد على أن تشكيل اللجان لأغراض جوهرية وأعمال استثنائية تعود بالفائدة على البلد، وتعالج قضايا على مستوى المناطق وربما على مستوى عموم سورية، مهم وضروري، لكنه لا يجب أن يقاس عليه في إدارة وزاراتنا ومؤسساتنا حتى لا تصبح الإدارة بالخوف ظاهرة عامة تقتل فينا حس المبادرة وتحمل المسؤوليات..
سميرة المسالمة

نهوض المارد «الرقابة الداخلية»

تبقى الرقابة الداخلية ضمانة أساسية وحقيقية في عملية محاربة الفساد وسوء الإدارة ولكن هذا المبدأ يبقى عاجزاً بل يتحول الى عبء حقيقي في مواجهة الإدارة والحملة على الفساد في آن معاً في ظل آليات العمل الحالية السائدة أو في ظل قلة الخبرة التي تعاني منها بعض دوائر الرقابة الداخلية، وهذا يستدعي مقاربة هذه المسألة بطريقة علمية وموضوعية ومنتجة..
هذه الرقابة تعني أصلاً الرقابة السابقة والموازية، ما يحملنا أعباء إضافية في حسن اختيار المسؤولين عنها كأساس، لا يمكن القفز فوقه أو دونه أو تجاوزه، تحت عناوين (الخبرة تأتي لاحقاً) لأن الثمن الذي قد يدفع، ربما يكون أكثر من محتمل، حيث تتعلق الأمور بكرامات الناس ومصلحة البلاد..
نقطة البدء هي، لمن نوكل أمر تقييم الأفضل والأنسب لمؤسساتنا، من خلال كفاءة من يتولى إدارة الرقابة الداخلية وقدرته الحقيقية على قيادة هذه المديرية لتكون طرفاً فاعلاً في قرارات الإدارة العامة جميعها دون أن تذوب في هذه الإدارة، ليبقى الخط الفاصل يمثل الوقاية والأمان والاستقلالية لإفساح المجال لقرار رقابي سابق ومواز وحر يعبر عن مصلحة وطنية عليا..
إن شراكة مديرية الرقابة الداخلية في إدارة مؤسسات الدولة تعني حصانة هذه المؤسسات لا الهيمنة على قرارها الإداري وليس أيضاً الحد من مساحة الحرية في إطلاق المبادرات الخلاقة للنهوض بواقع الوظيفة العامة والعبور به الى دور فاعل في إعادة صياغة المفهوم الجديد لتراتبية الوظائف ومسؤولياتها.
وإذا كانت الرقابة الداخلية تمثل خط الدفاع الأول عن المال العام ومصلحة عموم المستفيدين من الخدمة العامة، فإن النهوض بواقع هذه المديرية بات ضرورة يفرضها العمل المؤسساتي والحاجة الماسة للإصلاح الإداري لبلورة نموذج أفضل لحالة التواصل بين الإدارات وهيئات الرقابة على مختلف مستوياتها بدءاً من الرقابة الداخلية كمقدمة وقائية علاجية مروراً إلى المراحل الرقابية الأخرى..
إن تطوير هذه المديرية يتطلب النظر في آليات عملها وتبعيتها ليس فقط الإدارية وإنما المالية لتوفير استقلالية لها تسمح بممارسة عملها بعيداً عن إغراءات الإدارة وضمن منظومة الفهم العميق لحقيقة الشراكة في القرار المحصن من ثغرات الفساد أو حتى محاولة ارتكاب الخطأ، أو الزلل غير المقصود..
ربما يتيح القانون الناظم الكثير من المساحات لتطوير عمل الرقابة الداخلية فيما لو كانت قراءته أخذت الطابع الجدي في كل مؤسساتنا، وتعاملنا معها على أساس أن هذه المديرية هي ذراع وعين الإدارة، وتكاتفت الجهود بين المسؤولين فيها والإدارات جميعها لتكون عامل الحسم في اجتثاث الإهمال الوظيفي والفساد الإداري، وعندها يمكن تطويع الأنظمة النافذة جميعها لتكون في خدمة المواطن الذي هو غاية العمل ومنطلقه، إلا أن هذا القانون نفسه لا يوفر حسب المعطيات والنتائج على ما يبدو كل المساحة المطلوبة لإنتاج فعل رقابي سابق ومواز للعمل الإداري يضمن سلامة القرار وجودة المنتج النهائي الذي مهما اختلفت مواصفاته، إلا أنها بالنهاية يجب أن ترضي جمهور متلقيه على اختلاف أنواعهم وأذواقهم وتراتبيتهم الوظيفية أيضاً..
إن مصلحة الإدارات على اختلاف مواقعها، أن يكون لقراراتها حصن منيع يحميها من زلل الخطأ أو تسرب الفساد الى بعض جزئيات قرارها أو عمومياته، ما يعني أن مصلحة الإدارات في وجود قوة رقابية موازية لعملها ومؤازرة لرغباتها في تطوير أدائها وهذا يستوجب كفاءات وخبرات، وتدريباً وتأهيلاً مستمرين وموازيين لتطوير القوانين ولتطوير بيئة عمل هذه الإدارات تناسباً مع تطور الوظائف ووسائل تأديتها، فكما الهمم تحتاج إلى شحذ في كل وقت وحين، كذلك الخبرات والقدرة على التعامل مع المتغيرات تحتاج إلى تحديث مستمر وتطوير مواز لكفاءاتنا سواء الإدارية منها أو الرقابية عليها..
إن القدرة على مكافحة الفساد المالي تبدأ من صيغة مثلى لمحاربة الفساد الإداري، ومدى قدرتنا على المساهمة بنهوض هذا المارد «الرقابة الداخلية» وإعادته إلى هيكلية العمل ليكون سوراً نستند إليه في بناء المؤسسات لا حجارة نُرمى بها فيسقط الجميع تحت ركام تقارير رقابية ولكن متأخرة.. وربما متأخرة جداً....نهوض المارد يحتاج إلى إعادة النظر بآلياته وأنظمته وشخوصه لمزيد من الاستقلالية وكثير من المشاركة بعيداً عن الهيمنة وتقليص مساحات المبادرات الشخصية التي نحن بأمس الحاجة إليها اليوم في إداراتنا العامة لمزيد من الإنجازات التي أصبحت اليوم على مدّ النظر في القطاعات جميعها ليكون للإدارة أيضاً مكانها في هذه الإنجازات...
سميرة المسالمة

بعيــــــداً عـــــن التـــــرهـّــــــل

المساواة المجحفة هي إحدى ثمرات قانون العاملين الموحد، وبرغم أنه لا يمكن إلا الاعتراف لهذا القانون بكثير من الايجابيات فإنها حتماً لم تخل من السلبيات التي نأمل أن يكون نظام المراتب الوظيفية المقترح الدواء الشافي لها والعلاج الحقيقي لغياب بعض كوادرنا الإدارية الكفؤة في الوظائف الوسطى والعليا تحت عنوان البحث عن الأفضل مادياً والمساحة الأوسع لمبادراتهم واجتهاداتهم الخلاقة.
الحديث عن الإصلاح الإداري هو حديث ذو شقين: الأول إصلاح للكوادر البشرية، والثاني إصلاح لهيكليات العمل، وإذا كنا نؤمن جميعاً بأن العنصر البشري هو نواة المؤسسة والحامل الحقيقي لكل عمليات الإصلاح، فإن هذا يقودنا إلى ضرورة البحث الجاد والسريع غير المتسرع عن أدوات تمكننا من إدارته واستثماره لإنجاح الإصلاح بمختلف جوانبه، الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي وحتى السياسي.
صحيح، أننا لن نتوقع دخولاً تساوي الدخول التي تتقاضاها الخبرات الإدارية الجيدة في المؤسسات غير الحكومية، إلا أن مجرد التفكير والبحث والعمل لإيجاد منافذ ترتقي بهذه الدخول، وتحقق إضافات ملموسة عليها يؤكد جديتنا في الإصلاح الإداري وفي تحصين الكفاءات والخبرات من الهجرة الداخلية أو الخارجية.. وفي الوقت نفسه لا تكون المؤسسات بذلت نفقات معنوية ومادية على تدريب وتأهيل هذه الكفاءات، ثم خرجت من المنافسة وصنعت نجاح الآخرين، وفرطت بإمكانات كان يمكن أن تبعدها عن انحدارات إدارية وصلت إليها كغيرها من مؤسسات العمل العام.
إن توفير كوادر مؤهلة للعمل وتصديرها ليس مسؤولية المؤسسات، وإنما هو مسؤولية سوق التعليم، ما يستوجب أن تكون للوظائف العامة حصانتها، وأول أسوار هذه الحصانة هو دخول تتناسب مع الإمكانات الفردية والخبرات المكتسبة، ولكليهما في سوق العمل، وفق عدالة لم يعرفها «مع الأسف» قانون العاملين الموحد المعمول به حالياً والذي كانت مساواته سبباً حقيقياً في النزوح إلى خارج الوظيفة العامة لتبقى مؤسساتنا تحت وطأة الحاجة الماسة في بعض مواقعها إلى كفاءات إدارية.
إذا كانت النظريات تقول: إن العمل العام يجب أن يكون في أرقى المستويات، فإن هذا يعني خدمات مميزة بأدوات إدارية مدربة ومؤهلة تدير العملية الخدمية التي فقدت الكثير من سمعتها خلال السنوات الماضية تحت ما يسمى «الترهل الإداري».
الوظيفة العامة اليوم تحتاج إلى إعادة صياغة مفاهيمها من جديد، كما تحتاج كوادرنا إلى عملية جادة تفرز بين إمكاناتهم، وتحفزهم على العطاء والاستمرار بهذا العطاء والتدريب والديمومة على التدريب حتى لا تقع بفخ محدودية المعارف بعيداً عن القدرة على إدارتها.
المشروع، كما يبدو من مفرداته الأولية، يعمل على ربط الأهداف الفردية بالأهداف المؤسساتية، وهذا من شأنه أن يعمل على مأسسة الطموحات الفردية في تطوير العمل في الوظيفة العامة ويجعلها ضمن آلية واضحة تؤهله لمزيد من بذل الجهد وتبعد عنه إحباط تكافؤ فرص الترفيع «الإجبارية» مع من لا يعمل تحت غطاء القانون النافذ..
نظام المراتب الوظيفية، حسب النقاشات الأولية، يعيد فرصة التعامل مع المجدين والراغبين في التطوير المستمر لأنفسهم ولمساحات عملهم في الوظيفة العامة ويشجع المبادرات، ويمنحها أوسمة من نوع الترفيعات المستحقة، وهو إن عبّر عن شيء، فإنما يعبر عن جدية الحكومة في إصلاح الوظيفة العامة، وإبعاد شبح الترهل الإداري عنها.ويفسح الأمل أمام مبادرات حقيقية لتدخل مؤسساتياً في تطوير الإدارة والقدرة على إنتاج إداريين منتجين كل حسب موقعه وحلمه.
سميرة المسالمة

بــــــلا كهــــربـــــاء.. الصمــــت عــــلى الصمـــــــــت

يصبح الصمت أكثر بلاغة عندما تفقد الكلمات معناها، ولكن حتى الصمت أحياناً يصبح عبئاً ثقيلاً أمام تعاظم الأمر واستفحاله، فيصبح الصمت على الصمت خيانة لمن ائتمنك على أن تكون صوته بل وصوته المرتفع جداً..
عندما كان يغزونا شبح التقنين فنصرخ استغاثة، كان هناك من يرجع صدى صوتنا إلينا بكثير من التصريحات لنكتشف بعدها أنه أنجز القليل القليل فقط من العمل المبدد لمخاوفنا..
أصبح وعي المواطن هو الحل الذي تقدمه لنا وزارة الكهرباء، اكتشاف يريح كل الأطراف، الوزير وعامليه والمواطنين، لكن هذا الوعي يجب أن يكون حسب التصريحات باتجاه تفهم واستيعاب وقبول انقطاع الكهرباء مرات ومرات في اليوم الواحد، مرة نقبلها لأننا أُعلمنا بموعد الانقطاع وثانية لأنه علينا أن نعي أن الكهرباء مصروف لا مبرر له وانقطاعها رحمة بجيوبنا. وثالثة تعبيراً عن وعينا أننا وعينا ما تريده وزارة الكهرباء وتفهمنا أسباب تقصيرها وربما سامحها المواطن واعتبر الموضوع سهواً..
سنوات عديدة والكل يدرك حجم المشكلة التي نقدم عليها وكانت الحلول منتظرة بوضع محطة دير علي ودير الزور بالخدمة، ولكن ما الذي أنجزناه باتجاه هذا الأمر وعلى ماذا اشتغلت مؤسسة التوليد منذ عام 2000 وحتى اليوم، ربما نظلم هذه المؤسسة لو طالبناها بالاستيراد بعد عام 2004 لكن قبلها السؤال مشروع بل وواجب على كل الجهات الرقابية، ثم ما الذي أنجزته الوزارة، أين تصريحات السيد الوزير السابق، هل ذهبت أدراج الرياح كما ذهب مضمونها؟. ليس من الإنصاف أن نحمل الوزير الحالي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في قطاع الكهرباء لكن في الوقت ذاته يصعب أن نتقبل تبريراته، وأن نقنع بأن الحل هو وعي المواطن أو أن «المواطن واعٍ».
يبدو أن المشكلة أصبحت أوسع من دائرتها والحلول باتت مستعصية أمام ساكني هذه الدائرة. ولذلك لا بد أن تأتي الحلول من خارج الدائرة لأن القضية لم تعد قضية وزارة بل أصبحت قضية وطنية بامتياز تمس الأمن الاقتصادي بعمومه كما تمس كل جزئيات الاقتصاد الوطني من الصناعة إلى التجارة إلى السياحة وتكاد تكون الأخيرة مهددة فعلياً رغم كل الأرقام التي تطرح اليوم وتؤكد على زيادة مردودية هذا القطاع...
الكهرباء بواقعها اليوم قضية تمسّ فعلياً مصداقية الحكومة تجاه طرحها للاستثمار والتوسع به لتحقيق أهداف التنمية. كما تمس مصداقية الوعود تجاه خدمات أفضل للمواطنين..
ولذلك وبعد أن خسرنا الرهان بالدليل و«العتمة» على وزارة الكهرباء نأمل تدخلاً يبحث خارج هذه الدائرة المغلقة على حلول قد توجد في دول صديقة كالهند وروسيا وغيرهما وهذه الحلول لا تتمثل فقط بالبحث عن استيراد الكهرباء وان أصبحت اليوم ضرورة وأمراً واقعاً لا مفر منه، بل ببنائنا لقدرات جديدة لتوليد الكهرباء، لأنك إذا أردت أن تشبع جائعاً فلا تعطه سمكة بل علمه صيد السمك.
لقد بدت وزارة الكهرباء خارج الدائرة المعنية بعد كل ما يعانيه المواطن كل يوم من انقطاعات للتيار. ولذلك لا بد أن تدخل الحكومة والقيادة إلى داخل الدائرة الزمنية لإيجاد حلول حقيقية تنير الواقع فعلياً..
إذا كنا نؤمن أن الحكومة تعمل ما بوسعها على مختلف الاتجاهات لمزيد من التنمية ومزيد من فرص العمل للحد من الفقر ومعالجة أسبابه فإننا في الوقت نفسه نؤمن أن الحل يجب أن تتولاه الحكومة مجتمعة وربما الحكومة وأكثر.. والشعب جزء من الحل ولا خلاف على ذلك، لكن ليس الحل كله بأن يكون تفهَّمَ ووعيَ الشعب لضرورات انقطاع الكهرباء حتى صار البعض يقول: وزارة انقطاع الكهرباء بدلاً من وزارة الكهرباء، فهي لا تستطيع حتى أن تنظم انقطاعاتها فكيف تستطيع أن تنظم توليد الكهرباء.
سميرة المسالمة

الثمــــــــار مـــــــن أجلنــــا

يمكن أن نبرر لأنفسنا الأرقام المتصاعدة فيما لو قررنا أن ندخل موسوعة غينيس للأرقام. ولكن عندما نعلم أن هذه الأرقام هي ليست لهذا الغرض، وإنما هي مؤشر المخالفات المضبوطة من قبل الجهات المعنية في المحافظات السورية، فهذا يعني أننا أمام حالة شبه مستعصية لإعادة الأمور إلى نصابها وإقناع الناس الالتزام بالقوانين وتنفيذ القرارات الصادرة عن الجهات الرسمية.
فأنْ نقول: إننا نظمنا نحو مئة ألف مخالفة على قانون التموين والتسعير في عام 2008 وما يقارب نصف هذا الرقم خلال النصف الأول من عام 2009، ونحو 400 ألف ضبط مخالفة كهرباء وأننا بانتظار النظر في مئة ألف دعوى قضائية حول نفس الأمر ونحو 35% من السكان يعيشون في أبنية مخالفة ومئات الآلاف من مخالفات المرور و.. و..
هذا إذا عُبِّر لدى الجهات المعنية عن حسن القيام بأدوارهم الرقابية. فهو من جهة أخرى يعبر عن وجود حالة من التعنت والإصرار على مخالفة القوانين واستباحة الغش للمستهلكين، وعدم جدوى العقوبات المفروضة للحد من هذه الظاهرة، إن لم نقل للقضاء عليها.
ولو نظرنا في مجموع عدد المخالفات، واعتبرنا أن كل واحدة هي لأسرة سورية، فهذا يعني أن نحو 25% من سكان سورية على الأقل هم من مرتكبي المخالفات. والمتوقع صدور أحكام بحقهم، وهو الأمر الذي يجب أن يقودنا إلى أسئلة كبيرة ومهمة تبدأ بـ:
ما الذي يمكن أن نقدمه للمواطن اليوم كجهات رقابية مع قدوم شهر رمضان المبارك الذي حولناه بعادات بعيدة عن غايته، إلى شهر الاستهلاك العالمي، وأصبحت هذه العادات جزءاً من حياتنا مفروضة علينا. هل يكفي أن نقدم إحصاءات رقمية تعبر عن مزيد من انتهاكات قانونية لا تعود على حياة المواطنين، بأية منفعة.
هل يمكن مع تزايد الأرقام »المخالفاتية« أن نقف متأملين في طبيعة القانون الرقابي على اختلاف اختصاصاته لنسأل أين الخلل الذي يجعله ضعيفاً في إقناع الناس بعدم المخالفة أو حتى لماذا لم يستطع أن يردع المخالفين أنفسهم عن الاستمرار والإمعان بالمخالفات.
تحتاج قوانين الرقابة الناظمة لعمل معظم وزاراتنا المتماسة مع المواطنين، إعادة نظر ليس من باب التهاون والمهادنة مع المخالفين، لكن على قاعدة أن القوانين توجد لتنظم حياة الناس وليس من أجل أن تتحول إلى إحصائيات رقمية لعدد المخالفين مع بقاء الوضع القائم على حاله. وإذا دافع البعض بأنه يتغير على أساس المشهد الدراماتيكي للاغلاقات الكثيرة للمنشآت، لأن الاغلاقات ليست عقوبة للمخالفين فقط فهي عقوبة تتوسع منعكساتها حتى تصل إلى المتضررين من العاملين والمستهلكين أنفسهم. فهل غاية القانون معاقبة المخالف أم معاقبة مساحة الخدمة التي تتحرك فيها هذه المنشآت على اختلاف أنواعها.. وهل الغاية ردع الناس عن المخالفة أم الغاية محاسبة الناس بعد المخالفة؟!
التهاون دائماً لابد أن يكون ليس من صاحب المخالفة وإنما من صاحب القرار ومسؤول المحاسبة. ولذلك فقوانين الرقابة على اختلاف أنواعها، من قانون المرور إلى المخالفات إلى الغش والتدليس والتلاعب بالمنشأ و.. و.. لابد من أن ننظر إليها بدءاً من دورها الرقابي الوقائي، وليس المحاسبي، وانتشار المخالفات وتشعبها.. علاجها عند الوزارات وليس عند الأفراد، لأن العلاج المؤسساتي هو الأنجع وقاية ومحاسبة، وهو أولاً وأخيراً ثقافة وعندما نحسنُ بثَّها بيننا نقطف ثمارها من أجلنا وأجل أولادنا والأجيال القادمة جميعها.
سميرة المسالمة

الحكومة خطوة في الاتجاه الصحيح لكن..!

لا يشك متابع للحياة الاقتصادية في سورية بوجود ملامح تغيير واضحة ترتكز على رؤية منفتحة لتوسيع فاعلية التشاركية لبناء اقتصاد متماسك قوي لا تهزه رياح الأزمات، وينعكس بمنتجه النهائي على الحياة المعيشية بكل تفاصيلها وباتجاه تحسينها طبعاً.
إلا أن ملامح التغيير لا تنعكس إيجاباً فقط، فلهذا التغيير انعكاسات سلبية أحياناً قد لا تكون لها صفة الديمومة، لأنها من طبيعة المراحل الانتقالية التي لا يمكن القفز فوقها، أو العبور من خلالها دون أن تترك خطوطاً تؤثر في النفس ولو إلى حين.
فإذا اتفقنا أن القفز حالة غير ممكنة، فهذا يعني أننا نتوافق على وجود سلبيات نرجو من الله أن تكون عابرة، ومع هذا فإن افتراض التداعي الحكومي إلى معالجتها أمر طبيعي وهو حاصل حقيقة وإن كانت صوره في الإعلام منقوصة ليس لعيب في الإعلام بقدر ما هو عيب في آلية نقل المعلومة إلى الوسيلة الإعلامية على اختلاف أنواعها.
إعادة توزيع الدعم مصطلح فرضته طبيعة الانتقال من نظام اقتصادي إلى آخر، نراه أكثر فاعلية وتفاعلاً وإنتاجية، لكن كيف انعكست صور إعادة التوزيع هذه لدى شرائح المجتمع، وكيف انعكس الرضى الشعبي على هذا القرار، ولماذا اعتبرنا أن تجربة توزيع قسائم المازوت على الأسر السورية فاشلة؟ وهل حقاً هي فاشلة؟ هل يكفي أقل من عام لتعميق تجربة وانضاجها ومن ثم تقرير فشلها، وما هي نسبة الفشل الحقيقية، وهل هناك مَن يضمن حقيقة نجاح السيناريو البديل، وماذا لو حقق نتائج مقاربة أو أقل نجاحاً أو أكثر فشلاً مما حققته تجربة توزيع القسائم؟
كل هذه الأسئلة يجب أن توضع أمام صانع قرار السيناريو الجديد، مع علمنا أنه يتسع صدره لمزيد من الاقتراحات والمبادرات وحتى إلى أكثر من التساؤلات.
تجربة القسائم في عمرها القصير وتعثرها في بعض آليات تنفيذها لا يعني فشلها. فإذا تحدثنا عن تزوير القسائم كأحد صور هذا الفشل، فإن التزوير لا ينال فقط القسائم. ونسمع عن ضبط حالات لتزوير العملة، فهل يعني هذا أننا سنلغي التعامل بالأوراق النقدية، خشية تزويرها؟ سؤال لابد من مناقشته على بساطته وشموليته بالوقت ذاته.
بيع القسائم لغاية تسييلها صورة من صور الفشل التي أسهمت اليوم بالبحث عن سيناريو بديل للقسائم. والسؤال: هل تقديم مساعدة مالية بقيمة عشرة آلاف ليرة أو أكثر أو أقل هي غايةٌ غير تسييل القسائم؟!
إذا كانت الغاية تأمين سلعة المازوت للمواطن السوري المستهدف بالدعم بسعر يتناسب ودخله فإن الإبقاء على سيناريو القسائم هو الأفضل، وذلك لأن تسييل القسائم ليس بالأمر السهل على كل مواطن ما يعني أنها الأكثر حماية لشرائح واسعة لتوفير هذه المادة لها وحمايتها من شبح هيمنة الجائحة الاستهلاكية التي تغزو سلوكنا اليومي والتي يوفر لها السيناريو الجديد أموالاً جاهزة فوراً لتدور في عجلتها.
توزيع القسائم على كل العائلات السورية كان تجربة قيمة أوجدت قاعدة بيانات لم تكن متوفرة لدينا، وهي تجربة يمكن تعميقها وتعزيزها بمزيد من البحث والتقصي حول واقع هذه الأسر، حسب المحافظات والمناطق لتحقيق غاية السياسة الحكومية في استهداف الأسر المعنية بالدعم.
سياسة دعم الطلب بدلاً من دعم العرض هي خطوة متقدمة وصحية وصحيحة، ووجود قسائم بدل السيولة لا يقلل من أهميتها، بل يصعب على الآخرين استخدام هذا الدعم لأغراض استهلاكية أقل أهمية من توفير مادة المازوت، لأننا نعاني شتاءً، البرد فيه أصعب من الحاجة إلى الطعام، ومَن يريدها مالاً يمكن تسييلها عبر مراكز الدولة نفسها دون الاتجار بها، ولهذا الأمر آلياته التي يمكن ضبطها مع إتاحة الفرصة لهذه التجربة لمزيد من السبر والاختبار.
مجرد اقتراح غايته طمأنة الشرائح المستهدفة بالدعم إلى توفير المازوت بالسعر نفسه مع إتاحة الفرصة لخطوات تحريرية جديدة في الأسعار.
وهذا الاقتراح قابل للمناقشة وللحوار مع التأكيد أن سد بعض الثغرات في عملية الطباعة والتداول وإحكام السجلات، ضرورات أساسية لا نقاش فيها.
وإذا كان الرأي الآخر يفترض نجاح السيناريو البديل بنسب أعلى مع تحقيق غاية الدعم وهدفه فالله ولي التوفيق.
سميرة المسالمة

احتراف الهواة أم هواة الاحتراف؟

سؤال مهم يفترض إجابة صريحة بعيدة عن المجاملات وقريبة من الحقيقة، لأن الحقيقة نفسها في عالم الرياضة السوري باتت شبه مستحيلة، مع هذا الكم الهائل من الأسئلة المدوية التي تكاد تخترق جدران ممرات الأندية، وتعلو فوق السقف المفتوح لملاعبها.
لماذا لسنا هناك.. أي في بطولة العالم لألعاب القوى في برلين؟ سؤال مختصر لكنه يمثل الألم الحقيقي من واقع رياضي. وهو سؤال على لسان رئيس مجلس الوزراء الذي لم ينقطع يوماً عن عالم الرياضة. واهتمامه بهذا العالم واضح جلي، تؤكده متابعاته المباشرة للرياضيين وأنشطتهم في الملاعب على امتداد مساحة سورية.
ترى ما الذي دفع الرياضة السورية إلى هذا الانحسار؟ وهل استطعنا فعلياً توظيف كوادرنا البشرية لصالح إنعاش الرياضة؟ هل نظام الاحتراف الذي توجهنا إليه كان مصاغاً بيد محترف أم إننا أخذنا التسمية لتكون ثوباً ضيقاً على واقع الهواية؟
هل نظام الاحتراف عنوان حقيقي لما آلت إليه حال الرياضة السورية؟
هل يمكن أن نمارس الاحتراف بميزانية الهواة؟
ولعله السؤال الأهم اليوم الذي يفسر لنا لماذا تسربت الكوادر الكفؤة من منتخباتنا الوطنية، وبقيت تستظل بأنديتها بحثاً عن فرصة خلف الحدود؟
سؤال آخر لابد منه: هل نظام الاحتراف يعني احتراف اللاعبين فقط أم إنه، بالضرورة، يمتد ليشمل من يتعامل معهم من مدربين إلى إداريين، لأن إدارة فرق العالم الرياضية اليوم هي صناعة قائمة ترتفع أسهمها اليوم في الوقت الذي تنهار فيه مؤشرات أسهم كل القطـــاعات الاقتصادية على اختلافهــــا.
من يطلع على بعض اللوائح الداخلية للأنظمة المالية في الاتحاد الرياضي، يعرف تماماً الإجابة على سؤال: لماذا «لسنا هناك»؟ فعندما يكون تعويض اللاعب على المعسكرات (100) ليرة سورية فقط لمن لم يحرز جوائز سابقاً و(350) ل.س لمن أحرزها، يعرف حق المعرفة، لماذا تتسرب مهاراتنا الشابة من معسكرات الإعداد المفترض أنها لازمة وضرورية وملحة، ولماذا توقع العقود الاحترافية تحت الطاولة لا فوقها، وما هو مبرر اتحاد كرة القدم لتكون حصته في هذه العقود 60%؟
وللأمانة فقد قرر بعد ضغط الإعلام عليه أن تكون 45% فقط.
هل تعويض 6000 ل.س للمدرب الوطني يمثل احترافاً إدارياً أم احترافاً تدريبياً؟ وهل نتوقع منه إنتاجاً يهز الشباك؟
هل حقاً واردات الاتحاد ضئيلة أم إن الأنوار الموجهة إليها هي «الخافتة» فتضيع عنا زوايا الرؤية الواضحة لمساراتها، من أين أتت وأين كان موطن استقرارها؟
كل هذه الأسئلة، ربما يقودنا الجواب عليها، إلى معرفة الإجابة التي ترتسم على كل فم، ونحن نحجز مقاعدنا خلف شاشات التلفزيون، وعبر المحطات الفضائية، لمشاهدة أي بطولة عالمية بغياب واضح وصريح، وربما مخطط له للفرق السورية، وإن وجدت مشاركات فهي إدارية لصالح لاعب، ليس أكثر...
اليوم رغم معرفتنا الوثيقة بأن الرياضة صناعة رابحة، نتائجها مباشرة وخيراتها تعم في الاتجاهين، تنمية البشر وتنمية الحجر، إلا أننا لم نوفق بقيادة رياضية تأخذ بيد رياضتنا إلى موقعها، حيث يجب أن تكون. وما هذه الهزة للاتحاد الرياضي اليوم إلا هزة ارتدادية فرضها الواقع الذي سبقه وإحداثيات تؤكد أننا نسير بهذا الاتجاه، مما يفرض حقيقة أننا تأخرنا بالتدخل وعندما تدخلنا لم نكن «محترفين» وإنما مجرد هواة.
نقدّر اليوم قلق شارع الرياضة ممّا ستؤول إليه الأمور غداً، بعد تلقي الاتحاد الدولي لكرة القدم إجابات رئيس اتحاد كرة القدم أحمد جبان، مع يقيننا أننا كلنا، كسوريين، نعمل وسنعمل لصالح سورية أولاً وأخيراً، بعيداً عن مصالحنا الضيقة واختلافاتنا المحدودة وأي تصرف خلاف ذلك فهو تصفيات شخصية بين أطراف متصارعة ليس الغاية منها الرياضة، تدفع ثمنها الكفاءات الرياضية لفترات طويلة، قد تطول أو تقصر.
سميرة المسالمة

يا عراق العراقيين!..

الاتهام الجاحد لسورية بتفجيرات العراق المؤلمة والمؤسفة، أعاد الذاكرة السورية إلى لحظات الغزو الأولى، وبدء احتلال العراق، وتدفق مئات الآلاف من العراقيين إلى الحدود السورية، إلى حيث شعر العراقيون أنفسهم أنه الملاذ لهم، وأنهم ذاهبون إلى موطنهم ودارهم ليعيشوا بين إخوتهم وعشيرتهم، آمنين على أرواحهم وأولادهم، مطمئنين أنهم بين أهلهم يتقاسمون معهم كل تفاصيل الحياة والعيش، من الهواء والماء حتى الخبز ومقعد الدراسة وسرير المشفى وفرصة العمل، دون تمييز ودون أفضليات للسوريين عليهم، لأنهم هكذا عرفوا السوريين، وهكذا هي طباع السوريين وأخلاقهم، وهكذا هي سورية، لهم ولغيرهم من العرب.
في ذلك الوقت المرير، والشعب العراقي يئن تحت القصف الهمجي والتشريد الإجباري، وقف العالم جميعه يتفرج، بهيئاته ومؤسساته وحكوماته، الغني منها والفقير، الضعيف منها والقوي، على تلك الاحتياجات التي أعلنت سورية عن ضرورتها، لإيواء كل هؤلاء الناس، ومعالجتهم وتأمين مستلزمات عيشهم. وتناثرت الكلمات من هنا وهناك، من مؤسسات عربية ودولية لا تسمن ولا تغني من جوع، ومع ذلك لم تتأفف سورية يوماً أو تتذمر أو تَشْتَكِ أو تتخلف عن واجباتها. وهي كذلك كانت، وكذلك تبقى وستبقى، والأرقام تدل وتشرح وتفسر كل ما حدث ويحدث.
إن سورية التي آلمتها لغة النكران والجحود، وأوجعتها «اتهامات لا أخلاقية» من قبل البعض في الحكومة العراقية، والتي نمّت عن هذيان سياسي لاحق لهذيان أخلاقي لا يمكن إدراك أسبابه بمعزل عن ولاء البعض للاحتلال ولأعداء الشعب العراقي ومصالحه، وخصوم العلاقات الطبيعية التي بدأت خلال الأشهر الماضية، تأخذ مسارها الصحيح، لتتويجها بمشاريع اقتصادية وتنموية تعود بالفائدة على الشعبين الشقيقين، في سورية والعراق.
إن المشروع الأسود الذي يُعَدُّ للعراق من قبل أعدائه وحلفائهم، والذين لم يميزوا في قصفهم الجوي وصواريخهم الذكية، بين فرد وآخر، بين كبير وصغير، بين رجل وامرأة، بين طفل يحبو وآخر رضيع.. إن هذا المشروع الأسود لا يمكن النهوض به وإتمامُهُ في ظل تقارب الأشقاء العراقيين والسوريين. ولذلك كان توقيت الانفجارات مدروساً، ليكون حجر عثرة، ومطبَّاً يعيق حركة العلاقات الأخوية الحميمة التي سادت في الأشهر السابقة، وتُوّجت بقرار تشكيل مجلس استراتيجي بين البلدين.
ومع كل ذلك، ومع شعور السوريين بأنهم كانوا خبز الشَّعير المأكول المذموم، فإنهم باقون على عهدهم أخوة للعراقيين، يتقاسمون معهم آلامهم، ويتمنون لهم عراقاً للعراقيين. وستبقى سورية كما كانت في الأوقات الصعبة، درع العراق وصمام أمانه، وأهلها أهل العراق في كل الأزمان ومختلف الظروف، لا يعيرون التفاتة إلى الاتهامات السخيفة والمقيتة التي تدل بوضوح، على أن أصحابها ضالعون في التآمر، لإنجاح مشروعهم الأسود ضد العراق، وضد مصالح الشعب العراقي جميعها.
صحيح أن اقتصادنا لم يكن بحالة تسمح بمزيد من استنزافه، وصحيح أن الأمر لم يكن سهلاً على الاقتصاديين، لمعالجة حالة الخلل الكبيرة في مسيرة التحول التي أعاقها مئات آلاف العراقيين، وصحيح أن حالة التضخم أصبحت عبئاً على السوريين، إلا أن الصحيح أيضاً هو أن أخلاق السوريين وطباعهم تغلبت على فلسفة الاقتصاديين وخططهم ورفضهم لزيادة سكانية وصلت إلى نحو 5,1 مليون عراقي، وتعايشوا مع أزمة العراقيين على أنها أزمتهم. ولذلك كانت سورية تسعى لحل الأزمات في العراق وغيره، لا لتفجيرها، انطلاقاً من قاعدة أن التنمية والاستقرار والازدهار، مشروع إقليمي عربي متكامل، لا يمكن حذف أمن وأمان أي بقعة منه. فكيف إذا كانت هذه البقعة هي قلبه..
سميرة المسالمة

الإصلاح الإداري والمعهد الوطني للإدارة العامة

نتحدث دائماً عن الإصلاح الإداري وضرورة تقدمه على أي إصلاح آخر، لأنه الحامل الحقيقي والأساس للإصلاحات على مختلف اتجاهاتها وأنواعها، وإيماناً بأن الموارد البشرية هي الثروة الحقيقية للبلاد، وهي الثروة التي لا تنضب، كان التوجه في سورية لتأسيس المعهد الوطني للإدارة العامة، لرفد المفاصل الوظيفية بكفاءات متدربة، قادرة على النهوض والارتقاء بالعمل العام والوظيفة العامة والدور الحيوي الذي تؤديه.
واليوم، بعد سنوات على إنشاء المعهد، وتخريج دفعات أربع منه، وبمناسبة امتحانات القبول، لابد من وضع مجموعة تساؤلات مهمة، أمام من يتبنى الاصلاح الإداري ويدافع عنه، ويضعه ضمن أولوياته من أعضاء الحكومة، على مختلف مسؤولياتهم:
ما هي مصائر من تخرج من هذا المعهد؟
هل حقق المعهد غاية إحداثه وهدفه؟.
هل كانت الجدوى الاقتصادية لحاصل العملية التدريسية للطلبة، تساوي النتيجة المحصلة من طلبته؟
هل استطعنا فعلاً، توظيف هذه الكفاءات المتدربة في مواقع تستثمرها، ويتدرب على أيديها الصف الذي يليها من الموظفين، أم إن هذه الكفاءات وجدت طريقها مباشرة إلى أقبية المؤسسات التي وزعت عليها، لتنال حصتها من التهميش واللامبالاة والتناسي ثم النسيان؟
هل تحول الخريجون إلى أهداف للآخرين، لحشرهم في الزوايا، واستبعادهم عن موقع القرار، بدلاً من أن يكونوا مشاريع مؤهلة للاستثمار والتنمية الحقيقية في المؤسسات؟.
حساب العائد البشري من هذا المعهد هو خطوة لابد منها، وهي عملية اقتصادية قبل أن تكون أي شيء آخر، لأنه لا يعقل أن نخرّج أطباء ليعملوا مهندسين أو محاسبين أو حراس بلديات. فإما أن سوق العمل بحاجة إلى الأطباء، فنحافظ على كلية الطب، وإما أن حالة الإشباع وصلت إلى حدها فنغير اختصاص الجامعة.. وهذا ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار..
نحن في مختلف مؤسساتنا، بحاجة فعلية إلى هؤلاء المؤهلين والمتدربين والقادرين فعلاً، على تطوير أنفسهم. وربما من يعرف المعهد من الداخل، وما حجم الجهد المبذول على طلبته، يدرك مدى الألم الذي يعانيه الخريجون، وهم يُغلَّفون بوابل من النسيان والتجاهل، ليكون مصيرهم في أحسن الأحوال، أبعد نقطة عن الضوء، وهي تحت الضرب من قبل بعض المسؤولين غير المسؤولين في المؤسسات.
اليوم يستعد بعض من خيرة الشبان والشابات في القطاع العام والخاص، لخوض غمار تجربة المعهد الوطني للإدارة العامة، في دورته الجديدة «السابعة» بعد تجاوز امتحان، أقل ما يقال فيه أنه صعب التجاوز، لكنه غير مستحيل على من امتلك مواصفات تؤهله ليكون الصفَّ الأوّلَ، ليس بين المسؤولين، ولكن بين من يمتلك القدرة على تطوير نفسه وإعدادها، ليرتقي بالوظيفة العامة وبمفهوم الوظيفة العامة، أينما كانت، وفي أي مجال خاضت.
قليل من استيعاب الآخر في مؤسساتنا، ربما يطوّر أداءنا، ويحسّن في تقييم خدماتنا، لأن الأساس في الإعداد للمستقبل، يبدأ من الإحساس بمسؤولياتنا، تجاه كوادرنا وقدرتنا على الاستفادة منهم، حيث يجب الاستفادة فعلاً.
مشروع المعهد الوطني للإدارة العامة، إذا حقق غايته وهدفه، فهو جزء مهم. ولعله الجزء الأهم في الإصلاح الإداري وعلينا أن نحسن التعامل مع ثماره، لا أن تتعارض مصالحنا معها..
سميرة المسالمة

لغةُ المحبة لا تترجمها الأرقامُ

في شهر الخير والبركات والألفة والتآلف، وحيث الفرصة متاحة لتأخذ المشاعر مداها والعواطف مساحتها، والتواصل والرحمة حدودهما، وحيث تغدو البلاد، من أقصاها إلى أقصاها، واحةً لكل الخصال والأفعال المباركة... في هذا الوقت جاء مرسوم السيد الرئيس بصرف منحة 40% من الرواتب والأجور للعاملين في الدولة للمساعدة في تحمّل نفقات هذا الشهر الفضيل، والعيد المبارك، وافتتاح العام الدراسي.
وبغضّ النظر عن لغة الأرقام التي تقبل كلَّ نقاشٍ، وكلّ رأي، فإن هذه المنحة بذاتها هي تأكيدٌ على تلك الصلة العميقة والجدية للسيد الرئيس بكل تفاصيل حياة المواطنين وهمومهم وأعبائهم، وهي انعكاسٌ مباشر للاطلاع الشخصي والمتكامل للسيد الرئيس على تفاصيل الحياة الاقتصادية والمعيشية للعاملين في القطاع العام بشكل خاص وللمواطنين بشكل عام، وكذلك فهي نوع من المواءمة الجادة بين إمكانات الدولة والخزينة والاحتياجات والضرورات، وهذا ما يجعلها معبرةً عن ذاتها وأهميتها، سواء لجهة التوقيت، أو لجهة احتياجات المواطنين وانعكاساتها على حركة الأسواق التي استقبلت هذه المنحة بابتهاج معبّر وشكر كبير يعادل المعاني السامية التي حملتها هذه (العيدية) من القائد إلى الناس.
إنهــــــــــــا لغةُ المحبة التي لا تترجمها الأرقامُ، ولكن تعكسها الحقائق التي تتأكد عاماً بعد عام بين السيد الرئيس بشار الأسد وشعبه.
سميرة المسالمة

مـــن الصنـاعـــة إلى الصنـاعـــة

لا يختلف المراقبون أن واقع القطاع الصناعي السوري بشقيه العام والخاص يعاني من مشكلات كبيرة فاقمتها الأزمة المالية العالمية، رغم أنه كان من الممكن تحويل أثر هذه الأزمة إلى منعكس ايجابي يزيد من فرص التسويق في أسواق كان يتعذر على الصناعة السورية سابقاً دخولها لوجود شركات كبرى حالت دون السماح لها بالمنافسة لتسد بذلك ثغرة أوجدتها الأزمة المالية نفسها في بعض أسواقنا التي خرجنا منها بسببها.
لقد بذلت الحكومة جهدها لتكون عاملاً مساعداً في إحياء القطاع الصناعي وتمكينه من تجاوز أزماته ومشكلاته من خلال قراراتها التي أصدرتها في بداية العام (شباط الماضي) مساهمة بذلك بتوفير السند الحكومي اللازم للقطاع العام للنهوض بواقعه، وللقطاع الخاص لحل اشكالياته العالقة والتي كانت محور مؤتمريه الصناعيين، ما زاد في التفاؤل بإمكانية زيادة الاستثمار الصناعي والتوجه نحو تحديث القائم منه استفادة من واقع الحال في الدول المصنعة لأدوات الانتاج والمرهقة بثقل الأزمة المالية عليها واضطرارها إلى تخفيض أسعارها بنسب عالية جداً.
الاستثمار الصناعي لم يتجاوب مع كل المغريات الحكومية وبقي ينظر إلى السوق السورية على أنها (تحت التجربة) أو (قيد المراقبة) اعتماداً على الإجراءات الحالية لتحسين الواقع الصناعي القائم والتي وصفها البعض بأنها اجراءات مجتزأة في أحسن الأحوال أو أنها إجراءات ترقيعية لا ترقى إلى مستوى الحلول الشاملة التي تصلح القطاع الصناعي وتجعله الوسيلة الحقيقية للترويج لجذب الاستثمار الصناعي الجديد إلى سورية.
لا شك أن الرغبة الحكومية الصادقة لإنهاء الواقع المتردي للصناعة السورية عبّرت عنها قرارات مجلس الوزراء 12 للصناعة الحكومية و25 قراراً لدعم القطاع الخاص وقبلها كل اللجان التي شكلت لدراسة هذا القطاع الوطني المهم، إلا أن هذه الرغبة وتلك القرارات ودراسات أو تقارير اللجان لم تثمر حتى اليوم بما يتناسب مع حجم الاهتمام المعطى للصناعة، كما أنها لم تنعكس حقيقة على واقعها ما يستدعي اليوم إجراءات ربما تكون بمستوى مبضع الجراح على مبدأ (إن آخر الطب الكي).
ولعل الحديث عن الاستثمار الصناعي لا يستوي دون السؤال عن واقع هذا الاستثمار في المناطق الحرة بعد أن أغرقتنا معامل المناطق الحرة في بلدان الدول المجاورة ببضائعها ما زاد من فعل الأزمة المالية على صناعتنا، فلماذا لم يدخل هذا الاستثمار ضمن أولوياتنا رغم أن الدول المجاورة منحته كل الميزات فكان عائداً مهماً من عائداتها المالية؟
ألا يمكن أن يشكل الاستثمار الصناعي في المناطق الحرة تكاملاً حقيقياً مع الاستثمار الصناعي داخل البلد؟! وبالتالي يمكن استخدام منتجاته عند الحاجة لتحل محل الواردات المستوردة من دول أخرى (وفي كثير من الأحيان من المناطق الحرة فيها)، ألا تستحق فرص العمل التي يمكن أن يوفرها الاستثمار الصناعي داخل المناطق الحرة السورية والتي يمكن أن تكون تعويضاً عن الفرص التي خسرناها نتيجة التعامل السلبي للقطاع الصناعي الخاص مع الأزمة المالية وتسريح العديد من عمالته، التفكير الجدي بإعادة النظر نحو تشجيع الصناعة في المناطق الحرة؟
إن التعامل مع الاستثمار الصناعي في المناطق الحرة على أسس جديدة (ربما) من شأنه أن يوفر إيرادات جديدة للخزينة، كما إنه بالتأكيد يمكنه أن يمنح فرصاً إضافية كبيرة للمواد الأولية السورية من مستلزمات الانتاج لتصديرها إلى المناطق الحرة ما يعني زيادة حقيقية في الانتاج بناء على زيادة الطلب عليها.
جربنا كثيراً إغراءات ضريبية ورسوماً وميزات تفضيلية و.. و.. لجذب الاستثمار الصناعي إلى سورية ولا يضر أبداً التفكير بوسائل جديدة لجذب هذا الاستثمار حتى ولو إلى المناطق الحرة باعطائه ميزات تماثل ما يعطى له هذا القطاع المتوافر بكثرة في المناطق الحرة لدول الجوار.
سميرة المسالمة

بهدوء.. ياكهرباء

تعودنا أن نطلق أصواتنا عالية، نطالب ونطالب والأزمة تخنقنا، تضغط علينا برداً أو حراً.
اليوم، ونحن نعيش حالة من السكينة والوفاق، وحتى يمكن أن نقول حالة نخشى أن نحسد عليها من قبول كل منا بالآخر، المواطن والكهرباء، وهي حالات ليست نادرة ولكنها على الأغلب دورية تأتي في فصول محددة تلك التي لا نحتاج فيها من الكهرباء إلا لبعض ضوء وتشغيل الحد الأدنى من الأجهزة كما هو واقع الحال اليوم، بمعنى آخر نعم نحن كمواطنين وكهرباء نعيش ما يسمى بشهر عسل والكل يعلم أنه لا يدوم.
وحتى لا تذهب الكلمات هباء في بحر من الغضب العارم الذي يصبه الإعلام في أوقات محددة وفي زمن تكون فيه الآذان موصدة أصلاً والوقت لا يسمح بالقراءة، كان الخيار بأن نناقش وبهدوء واقع الكهرباء الآن ونحن في أحسن مواسمها، والسؤال: إذا كان الحل الآني نتيجة ظروف خارجة عن الإرادة البشرية، صبّت في مصلحة واقع حال وزارة الكهرباء، فإن هذا بالتأكيد لا يستدعي التراخي بالبحث عن حلول حقيقية وناجعة، ينظر من خلالها أيضاً إلى الإمكانات الواقعية للمواطن بالتعامل مع هذه الحلول ومدى قدرة الحكومة على تقديم الدعم اللازم لهذا القطاع. وسأوضح:
اليوم نسمع كثيراً عن جلسات عمل تبحث في قانون الاستثمار للقطاع الخاص في الكهرباء وهو أمر أصبحنا في حاجة ماسة له، لكن الحديث مع الأسف يقتصر على استثمار في التوليد وليس في التوزيع والنقل وهي التجربة التي يجب أن نبدأ منها اقتداء مثلاً بالسويد. ففي هذا البلد حتى اليوم الاستثمار الخاص يتجه إلى النقل والتوزيع بينما بقية قطاع التوليد بيد الحكومة. ولعلنا لا ننسى مدى الانتقادات الكبيرة التي وجهت لرئيسة وزراء بريطانيا السابقة ولا تزال توجه إليها، عندما اتخذت خطوة خصخصة قطاع الكهرباء كاملاً. وأنا هنا لا أبحث في موضوع الخصخصة، خاصة أنني مع ضرورة دخول القطاع الخاص كقطاع وطني، ساحة العمل شراكة مع غيره من القطاعات، لكن إذا كان القطاع الخاص سيدخل في موضوع التوليد فقط، فهذا يعني أنه سيبيع الكهرباء على باب المحطة بالسعر العالمي، وسيدفع بالحكومة إلى دعم هذا القطاع بمبالغ تفوق ما هي عليه اليوم، رغم أننا متفقون على ضرورة الاتجاه إلى تخفيف الدعم لا زيادته، أو أن الحكومة ستحرر فعلياً أسعار الكهرباء. وهذا يعني عبئاً جديداً يضاف إلى أعباء المواطن.
هل الكهرباء فقط تعاني من موضوع التوليد أم إن المعاناة الحقيقية التي لم تستطع الوزارة حلها هي مواضيع الفاقد والهدر والسرقات، وهذه جميعها فاقد فني وتجاري أي أننا بالحقيقة لا نعاني من فاقد أو هدر أو سرقة على خطوط النقل العالية، ما يجعلنا نسأل: لماذا لا نتوجه أولاً إلى إشراك القطاع الخاص بعمليات النقل والتوزيع للحد من الهدر ومكافحة السرقات وضبط الفاقد الذي يصل بمجمله إلى نحو إنتاج محطة توليد ضخمة.
كثير من الدول لجأت إلى خصخصة هذه الأعمال الفنية والتجارية وحصدت نتائج مهمة، فلماذا نبدأ حيث لم يصلوا بعد؟ ولماذا نلقي بسلة البيض كاملة تحت التجربة دون حسابات دقيقة؟
يقول السيد وزير الكهرباء: تحتاج سورية العام القادم إلى 1700 ميغاواط ولذلك يسرع الخُطا في عملية إدخال القطاع الخاص لأن الحلول كما يراها بمشروعات ضخمة تدخل سورية. والسؤال: حتى لو دخل القطاع الخاص وبدأ بمشروعاته فهل يتوقّع سيادة الوزير أن ينجز محطات توليده خلال العام القادم؟ نحن نقول، علمياً وفنياً، لا يستطيع. وكان يمكن أن نعالج حاجتنا بالبحث في موضوع الفاقد الذي قدره السيد الوزير بـ25 من إنتاجنا أي ما يعادل 1500 ميغاواط. وهي حتماً قادرة على حل المشكلة على الأقل خلال العام القادم، فلماذا لا يكون التوزيع والنقل أولوية استثمار القطاع الخاص؟
بكل هدوء نوجه أسئلتنا، ولدى وزارة الكهرباء كل الوقت الكافي للرد عليها قبل أن تُفاجأ بشتاء بارد وحاجة فائقة تعيدنا إلى داخل المربع الأول، ولا تفيدنا كل الكلمات، صاخبةً كانت أم هادئة...
سميرة المسالمة

الإعــــــــــــلام مــــــــــن أجــــــــــل العــــــــــــــرب وقضــــــايــــــــــاهـــــــــــــــم

يتكرر الحديث باستمرار عن طبيعة الإشكاليات التي تواجه الإعلام عامة، والإعلام العربي خاصة، وعن ماهية هذه الإشكالات ومصدرها وفيما إذا كانت إشكالات بنيوية أم طارئة... ويترافق ذلك مع سؤال أساسي. هل يمكن الحديث عن إعلام عربي ذي صفات واحدة أو مشتركة... أم أن واقع الحال يجعل هذه الصفة «العربي» ترتبط فقط بلغة الكتابة أكثر من ارتباطها بهوية الإعلام؟!! هذه بذاتها أيضاً إشكالية تستحق المناقشة، ولعل من الأسئلة الأساسية التي تطرح نفسها دائماً: هل عبّر الإعلام العربي عن ذاته قومياً؟ أم أنه كان جزءاً حقيقياً من جغرافية التجزئة واللهجات المحلية في السياسة والاقتصاد وقضايا الناس؟
وهل استطاع هذا الإعلام أن يتجاوز وقائع الانقسام والاختلاف والتباعد والتجزئة، أم أنه أسهم بتكريسها وتعميقها؟ وهل استطاع الإعلام العربي أيضاً أن يشكل قاطرة النهضة العربية والتنمية ومواجهة التحديات وفي مقدمتها التحديات التي تفرضها الصهيونية على الأمة كاملة؟
مــــــا هو المتــــاح في واقع الحال أمــــام الإعلام العربي مــــن مناخات وفـــرص ليعبر عـــن هويتــــه في مواجهـــــة كل تعقيـــدات العلاقات الدولية والإقليمية؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تتصل بشكل موضوعي مع نقاش حول التمويل والمرجعية وإعلام الداخل وإعلام الخارج، والإعلام الحكومي والخاص وما بينهما، ومع مفاهيم الحرية وطبائع الأنظمة السياسية ومع قوانين المطبوعات ومحاكمها، وما إلى ذلك من تفاصيل لا يمكن الاستغناء عنها للوصول إلى نتائج يمكن أن تغير أو تؤثر لاحقاً ليكون الإعلام العربي عربياً فعلاً، وليس في اللغة فحسب، إذ يمكن أن يكون هناك إعلام عربي بلغات العالم الأخرى، إنما الأصل أن يكون إعلاماً عربياً بالهوية والرسالة والمضمون، لا إعلاماً عربياً بالمزاج والانتقائية ورهناً بالمناسبات والانفعالات...
بالطبع هناك إعلاميون عرب لابد من أن نفخر بهم يمتدون وينتشرون في كل الوطن العربي، ويعملون في كل المؤسسات الإعلامية، لكنهم قد لا يكونون دائماً في موقع التأثير، وربما لا يكونون دائماً في موقع القرار، وهذه أيضاً من إشكاليات الإعلام العربي...
وطبعاً، هذه ليست مقدمة للإحباط لكنها مقدمة بالتأكيد لحوار ونقاش لابد من أن يفتح بجدية من أجل الإعلام ومن أجل الإعلاميين ومن أجل العرب وقضاياهم أولاً وأخيراً...
سميرة المسالمة

رســـــالـــــــــــــــــة عـــــــامــــــــــل إلى الاتحـــــــــــاد العـــــــــــــام لنقــــــــــابــــــات العمـــــــــال

الزملاء السادة في الاتحاد العام لنقابات العمال: أفسح مساحة زاويتي لرسالة كتبت من القلب ووجدت أنه لابد أن تصل إلى قلوبكم، ومع كل التقدير لجهودكم الطيبة للحفاظ على حقوق عمالنا.
مع كل خطاب حول اقتصاد السوق الاجتماعي وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تحولات بلا ألم ­رغم أن هذا غير ممكن على الإطلاق­ يطل علينا المنظرون والاقتصاديون بكثير من المصطلحات والنصائح، وهي بلا شك في كثير منها صحيحة ويجب التعامل معها ؟وأنا لا أقول هذا فقط بسبب أننا قد نوقع على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي­ نعم أيها السادة في الاتحاد نحن مع إطلاق حرية المنافسة ومع خلق حالة من تكافؤ الفرص ومع.. ومع.. وربما وبإصرار مع المكتسبات الكبيرة التي تتحقق من خلال هذا النظام الاقتصادي للطبقة العاملة ومع الدور الفاعل للدولة في مراقبة آليات السوق والتدخل عند الضرورات ورفع نسب النمو وخفض مستويات الفساد وهدر المال العام وما إلى ذلك من حسنات يعددها المقتنعون في الحكومة بهذا التوجه ولعلها ­والله أعلم­ حقيقة نجهلها؟
وما أود السؤال عنه برسالتي هذه هي عن حقيقة إعادة تدريب قوى العمل وتأهيلها في القطاع العام، وما هي الخطوات التي اتخذت من أجل هذه العملية الصعبة، وفي ظل قانون العاملين الموحد، الذي حولنا إلى متساوين أمامه، خيرنا وشرنا، وهذه حقيقة سأدفعها إليكم عبر هذه الأسطر، إذ يطرح سؤال دائم أمامي من مجموعة من زملائي في القطاعات الصناعية والإدارية التابعة للقطاع العام: لماذا نتدرب أو لنقل، ما الذي يدفعنا إلى مزيد من تأهيل أنفسنا وقد ساقنا هذا القانون إلى مرحلة نفكر بها بهذه المساواة المجحفة التي نقف أمامها عجزة، إذ نتساوى في الرواتب بين من يعمل ومن لا يعمل، ونتساوى بالحوافز بين من يعمل ومن لا يعمل، ونتساوى بالترفيعات بين من يجتهد ومن ينظر إلى اجتهادنا على انه سعي وراء السراب.
نعم أيها السادة.. في ظل قوانين لا تفرق بين مجتهد وآخر متقاعس، يصبح اقتصاد السوق أزمة تضاف إلى أزماتنا إذا لم نكن قادرين على ضبط آليات تنفيذ القوانين واحترامها بما يحقق مساواة تفرز بين من يعمل ومن لا يعمل على عكس ما هو قائم الآن.
قد تستغربون لماذا أتوجه برسالتي إلى اتحاد العمال، لأنكم ومع اعتزازي بأنني واحد منكم، أول من يسارع إلى اتخاذ موقف معاد من أي فرز إنتاجي للعمال. وتساوون بيننا جميعاً وربما تقفون في المحاكم نصرة لمتقاعس على أساس حقوق العامل دون تأكيد على أن هذه الحقوق التي يجب الدفاع عنها هي حق العمل على العامل أولاً وحقنا كعمال نعمل بجد بان نتقاسم موارد إنتاجنا لا أن يفرض علينا عمالة مقنعة تتقاسم معنا غلالنا دون أن ترضى أن تتقاسم معنا الجهد والإخلاص لمؤسسة نسمى جميعنا بأننا عمال بها ولكن بعضهم يحظون بلقب عامل من أجل الراتب والامتياز وربما المنصب لاحقاً، وبعضنا يحظى بقدره أن يعمل ويعمل ثم يقال له أهّل نفسك ودرّبها دون أن يقال لنا ما هي منعكسات هذا التدريب والتأهيل على مستوى معيشتنا في ظل قانون يرى فينا جميعاً أننا متساوون أمامه ونحظى بدفاعكم عنّا بنفس الروح وربما بذات الممثلين والخطاب وطبعاً مواد القانون عينه.
إذا كـــــــان الاقتصــــــــاد الجديد يحقق لنا مساواة عادلة وينتج فرزاً منطقياً يمنع به اغتصاب عرقنا وجهدنا لصالح عمالة متقاعسة، فأهلاً به من اقتصاد وإن كان الدفاع عن الواقع الاقتصادي الآن يكرس هذه الحالة اللاعادلة في أروقة معاملنا فلا يسعنا إلا القول: تحتاج مؤسساتنا فعلاً إلى صحوة تعيد لها ألق الإنتاج وتسمح لثقافة العمل أن تسود. وليرحل المتقاعسون إلى أماكن أخرى لا تسمى وحدات إنتاج ولا يتقاسمون معنا خير اتحادنا العظيم.
عامل مخلص يريد الخير لمعمله
سميرة المسالمة

الشراكة.. برسم المصلحة الوطنية

ما الـــذي تحققه أي شراكة اقتصاديــــة مع الاتحاد الأوروبي من فوائد وعائدات، ما هو حجمها ومستوياتها واتجاهاتها، وما هي أبعادها على كل القطاعات الاقتصادية الوطنية العام والخاص والمشترك، ما هي نتائجها المباشرة على قطاعات انتاجية أساسية كالمواد الغذائية والنسيج والكثير من الصناعات الكيميائية والهندسية المختلفة، وبالتالي ما هي انعكاساتها الحقيقية على الناس العاملين في الدولة أو في القطاع الخاص أو حتى في المهن الحرة، وكيف سيكون وقعها على الخزينة العامة؟

والسؤال ذاته يطرح نفسه باتجاه معاكس: ماذا يجني الاتحاد الأوروبي من هذه الشراكة؟ وهل تستطيع المنتجات الوطنية أن تنافس من حيث الجودة أو الأسعار أو تكاليف النقل وما الى ذلك تلك البضائع الأوروبية المماثلة، وإذا كانت تستطيع ذلك الآن فهل تستطيع ذلك لاحقاً لجهة الوفرة أو الحداثة والتحديث، أو لجهة تغير الاحتياجات أو تسارع التطورات التقنية؟..

هذه أسئلة من المفترض أن لدى الحكومة إجابات واضحة وشفافة بشأنها ومن المفترض أيضاً في أي اتفاق بين طرفين أن تكون هناك فوائد تعود على الجانبين بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر، فوائد آنية وفوائد لاحقة، وأن يكون هذا الاتفاق بطبيعة الحال موضوعاً تحت عنوان أساسي يضمن إجراء المراجعة الدورية له لضمان نتائج تطبيقه لتكون في أفضل حال..

على كل حال مبدأ التعاون والآفاق المفتوحة للتبادل التجاري والتعاون في كل مجالات الحياة يبقى مبدأ طيباً، وهو ليس مبدأ طارئاً في هذا الزمان خاصة بين دول شرق المتوسط وأوروبا، إذ يعود تاريخ التواصل بينهما الى آلاف السنين، ولكن تقنين هذا المبدأ يبقى أمراً ضرورياً إذا اقترن هذا التقنين ليس فقط بحماية المنجزات الوطنية، ولكن أيضاً بالحفاظ على حرية اتخاذ القرار في كل المستويات وضمان حماية عيش الناس وكرامتهم ومستقبلهم..

وهذا ما يدفعنا الى التساؤل حول ما سيربحه كل جانب وما سيخسره أيضاً، وعن مدى التعادل في هذا الميزان.. وطبعاً لا نقول ذلك انطلاقاً من اقتراب مواعيد محددة بل لأن المصلحة الوطنية تبقى هي الأهم وهي المقياس، فهل كانت هذه المصلحة هي «السمت» الحقيقي لكل نص كتب ولكل بند حرر ولكل هدف وضع؟ هل كانت هي ذلك السمت فعلاً في العناوين كما في التفاصيل..

صحيح أن مجلس الشعب سوف يناقش الاتفاق بعد التوقيع، وسوف يقبله أو يرفضه­ وفقاً لمعايير المصلحة الوطنية، ولكن أيضاً لابد من أن تكون أي عملية توقيع منضبطة الى حدٍّ أقصى بهذه المعايير.

هذه التساؤلات ليست لإغلاق الأبواب بوجه الشراكة ولكنها لفتح حوارات جادة وحقيقية غايتها في النهاية الوصول الى أفضل صيغة اتفاقية تحقق علاقات متكافئة بين الطرفين، وتحدد ماهية المنعكسات المباشرة وغير المباشرة، وسبل تجاوز أي سلبيات على مجتمعنا جراء هذه الشراكة..

الــــــدعوة مفتوحة من تشرين الاقتصادي لحوارات وآراء اقتصادية متنوعة يشارك بها المهتمون والمختصون..
سميرة المسالمة