الأربعاء، 17 مارس 2010

الإعلام بين جلد الذات وظلم النقد

أسهل الطرق إلى النيل من الآخر اتهامه بالفشل ليس على قاعدة أننا نملك كل الحقيقة، أنه فاشل، بل على قاعدة أننا وغيرنا لا نملك مقومات ومعايير التقييم، لذلك يصبح كل شيء خاضع فقط لمزاجية المقيّم، ومعايير رفضه هو مدى مصلحته في هذا التقييم تقرب أو تبعد، وأحيانا يكفي أن يكون الرأي كطرح هو القضية، لا الرأي كموضوع ورؤية ومعايير، لنعرف أننا أمام حالة غايتها إثارة ضجيج للتذكير بوجود من يئس من التجاهل ليس أكثر...
كثيراً ما يتعرض أداء المؤسسات على اختلاف أنشطتها إلى تقييم يتوزع بين أن يكون موضوعيا مبنياً على حقيقة رقمية أو تقريرياً مبنياً على معلومة السوق المتداولة بين الناس.
وفي هذا ما يمكن دحضه علمياً أو تقييماً إنشائياً عندما تسأل صاحبه لماذا؟ يكون الجواب هكذا بمعنى «هيك» أو تقييماً تاريخياً مبنياً على معلومة لم يحدّثها صاحبها واعتبرها إحدى المسلمات التي لا يمكن المس فيها وعيباً لا يمكن علاجه وسمة غير قابلة للتعديل والاجتهاد فيها...
وبغض النظر عن الفشل أو الاتهام به وبغض النظر عمن يتهم أو يُتهم فإن مقاربة مسألة النجاح والفشل هي في المحصلة مسألة معيارية أي إنها لا يمكن أن تكون مسألة جزافية أو انتقائية، هذا إذا كنا نتحدث بعقل المؤسسات وعن مؤسسات، ولم يكن الحديث ليأخذ الجوانب الشخصية أو يشخصن المؤسسات ذاتها.
لطالما اتهم الإعلام السوري بكثير من الكلمات والمصطلحات التي يحاول البعض أن يقول فيها: إن غياب قدرة الإعلام السوري على المنافسة مرده ضعف الكادر أو الإدارات أو.. أو... وهذا لا يعفينا من الالتزام بقول الحقيقة حتى ولو كانت تنال من ذاتنا، ولكن ليس على طريقة جلد الذات وتغييب الموضوعية والدقة والشفافية في مناقشة مسألة مهمة كهذه..
طبعاً أنا لا أقول إن الإعلام السوري هو أفضل إعلام عرفته أو سمعت عنه ولكن بالتأكيد أرفض القول: إن الإعلام السوري بلا دور، أو بلا هوية، أو إنه غائب، أو غير ذي قيمة أو إنه يتخبط كما يحلو للبعض توجيه الاتهامات إليه بهذه الكلمات، فالنقد لا يجوز أبداً أن يتجاوز الحدود إلى الظلم وكذا المديح لا يجوز أبداً أن يتجاوز الحدود إلى الكذب، نعم لدينا في الإعلام السوري مشكلاتنا كما لدى كل إعلام في العالم مشكلاته، من القانوني إلى الإجرائي إلى الموضوعي إلى المادي وحتى إلى المعنوي، ولكن نقول بصراحة: إن ثمة تغييرات تحصل وتطورات تحدث وجهوداً تبذل وأرقاماً تزداد ومبيعات ترتفع وظروفاً تتحسن، وهذا كله لا يحدث أبداً بشكل اعتباطي أو تلقائي، بل هذا نتيجة طبيعية لإدارة منتظمة ومنظمة ونقاشات وجدل عميق ومبادرات على كل المستويات في كل الهرم الإعلامي تفضي بالمحصلة إلى حقيقة مفادها أن الإعلام السوري يتطور كماً ونوعاً، الخاص منه والحكومي، موضوعاً ورقماً وصدى وتأثيراً بالرأي العام والاقتصاد والخدمات وكذلك في السياسة والخبر.
وعود على بدء وليس من قبيل التفاخر أو التبجح فإن الأمثلة التي نشير إليها بالجمل العريضة موجودة ومحسوبة بالرقم، ووفق أحدث الطرق العلمية ويذكرني بعض الهجوم على الإعلام السوري بمقولة مزمار الحي لا يطرب، ومع ذلك فربما أن مزمار الحي لا يطرب أحياناً ولكن حق المزمار علينا وحق الحي علينا واحتراماً للطرب الإعلامي فإن الواجب يقضي أن نقول الحقيقة دائماً..
الحقيقة أيها السادة: إن إعلامنا بخير وإنه إعلام مجتهد وإنه مصرّ بكوادره وإداراته وقياداته على متابعة التحصيل والارتقاء لكنه يحتاج بالتأكيد إلى مساندة ولو معنوية، ولا يحتاج بالتأكيد إلى الطعن فيه خارج حدود النقد المشروع والبناء والموضوعي..وإذا كنت تناولت الإعلام مثالاً على سهولة ما يمكن تداوله من أحكام، فإن هذا لا يعني أن بقية المؤسسات غائبة عن التقييم ومقاربة فشلها ونجاحها من موقع الاتهام فقط، ومن موقع غياب مصلحة البعض بالاعتراف بتطور هذه المؤسسة أو تلك، وربما من موقع الاستسهال بمسؤوليات النقد ما يحوّل هذا النقد من أداة للبناء إلى أداة للتهديم وجلد الآخر وأحيانا إلى تغييب هذا الآخر واقصائه، وهذا ما يحدث اليوم في نقدنا حتى نحن «الإعلام» وللسياحة والاقتصاد والخدمات والثقافة وكل تفاصيل الحياة السورية فنغيّب جمالياتها وايجابياتها على حساب تعظيم مشكلاتها وسيئاتها..
سميرة المسالمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق