الأربعاء، 17 مارس 2010

بعيــــــداً عـــــن التـــــرهـّــــــل

المساواة المجحفة هي إحدى ثمرات قانون العاملين الموحد، وبرغم أنه لا يمكن إلا الاعتراف لهذا القانون بكثير من الايجابيات فإنها حتماً لم تخل من السلبيات التي نأمل أن يكون نظام المراتب الوظيفية المقترح الدواء الشافي لها والعلاج الحقيقي لغياب بعض كوادرنا الإدارية الكفؤة في الوظائف الوسطى والعليا تحت عنوان البحث عن الأفضل مادياً والمساحة الأوسع لمبادراتهم واجتهاداتهم الخلاقة.
الحديث عن الإصلاح الإداري هو حديث ذو شقين: الأول إصلاح للكوادر البشرية، والثاني إصلاح لهيكليات العمل، وإذا كنا نؤمن جميعاً بأن العنصر البشري هو نواة المؤسسة والحامل الحقيقي لكل عمليات الإصلاح، فإن هذا يقودنا إلى ضرورة البحث الجاد والسريع غير المتسرع عن أدوات تمكننا من إدارته واستثماره لإنجاح الإصلاح بمختلف جوانبه، الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي وحتى السياسي.
صحيح، أننا لن نتوقع دخولاً تساوي الدخول التي تتقاضاها الخبرات الإدارية الجيدة في المؤسسات غير الحكومية، إلا أن مجرد التفكير والبحث والعمل لإيجاد منافذ ترتقي بهذه الدخول، وتحقق إضافات ملموسة عليها يؤكد جديتنا في الإصلاح الإداري وفي تحصين الكفاءات والخبرات من الهجرة الداخلية أو الخارجية.. وفي الوقت نفسه لا تكون المؤسسات بذلت نفقات معنوية ومادية على تدريب وتأهيل هذه الكفاءات، ثم خرجت من المنافسة وصنعت نجاح الآخرين، وفرطت بإمكانات كان يمكن أن تبعدها عن انحدارات إدارية وصلت إليها كغيرها من مؤسسات العمل العام.
إن توفير كوادر مؤهلة للعمل وتصديرها ليس مسؤولية المؤسسات، وإنما هو مسؤولية سوق التعليم، ما يستوجب أن تكون للوظائف العامة حصانتها، وأول أسوار هذه الحصانة هو دخول تتناسب مع الإمكانات الفردية والخبرات المكتسبة، ولكليهما في سوق العمل، وفق عدالة لم يعرفها «مع الأسف» قانون العاملين الموحد المعمول به حالياً والذي كانت مساواته سبباً حقيقياً في النزوح إلى خارج الوظيفة العامة لتبقى مؤسساتنا تحت وطأة الحاجة الماسة في بعض مواقعها إلى كفاءات إدارية.
إذا كانت النظريات تقول: إن العمل العام يجب أن يكون في أرقى المستويات، فإن هذا يعني خدمات مميزة بأدوات إدارية مدربة ومؤهلة تدير العملية الخدمية التي فقدت الكثير من سمعتها خلال السنوات الماضية تحت ما يسمى «الترهل الإداري».
الوظيفة العامة اليوم تحتاج إلى إعادة صياغة مفاهيمها من جديد، كما تحتاج كوادرنا إلى عملية جادة تفرز بين إمكاناتهم، وتحفزهم على العطاء والاستمرار بهذا العطاء والتدريب والديمومة على التدريب حتى لا تقع بفخ محدودية المعارف بعيداً عن القدرة على إدارتها.
المشروع، كما يبدو من مفرداته الأولية، يعمل على ربط الأهداف الفردية بالأهداف المؤسساتية، وهذا من شأنه أن يعمل على مأسسة الطموحات الفردية في تطوير العمل في الوظيفة العامة ويجعلها ضمن آلية واضحة تؤهله لمزيد من بذل الجهد وتبعد عنه إحباط تكافؤ فرص الترفيع «الإجبارية» مع من لا يعمل تحت غطاء القانون النافذ..
نظام المراتب الوظيفية، حسب النقاشات الأولية، يعيد فرصة التعامل مع المجدين والراغبين في التطوير المستمر لأنفسهم ولمساحات عملهم في الوظيفة العامة ويشجع المبادرات، ويمنحها أوسمة من نوع الترفيعات المستحقة، وهو إن عبّر عن شيء، فإنما يعبر عن جدية الحكومة في إصلاح الوظيفة العامة، وإبعاد شبح الترهل الإداري عنها.ويفسح الأمل أمام مبادرات حقيقية لتدخل مؤسساتياً في تطوير الإدارة والقدرة على إنتاج إداريين منتجين كل حسب موقعه وحلمه.
سميرة المسالمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق