الأربعاء، 17 مارس 2010

يا عراق العراقيين!..

الاتهام الجاحد لسورية بتفجيرات العراق المؤلمة والمؤسفة، أعاد الذاكرة السورية إلى لحظات الغزو الأولى، وبدء احتلال العراق، وتدفق مئات الآلاف من العراقيين إلى الحدود السورية، إلى حيث شعر العراقيون أنفسهم أنه الملاذ لهم، وأنهم ذاهبون إلى موطنهم ودارهم ليعيشوا بين إخوتهم وعشيرتهم، آمنين على أرواحهم وأولادهم، مطمئنين أنهم بين أهلهم يتقاسمون معهم كل تفاصيل الحياة والعيش، من الهواء والماء حتى الخبز ومقعد الدراسة وسرير المشفى وفرصة العمل، دون تمييز ودون أفضليات للسوريين عليهم، لأنهم هكذا عرفوا السوريين، وهكذا هي طباع السوريين وأخلاقهم، وهكذا هي سورية، لهم ولغيرهم من العرب.
في ذلك الوقت المرير، والشعب العراقي يئن تحت القصف الهمجي والتشريد الإجباري، وقف العالم جميعه يتفرج، بهيئاته ومؤسساته وحكوماته، الغني منها والفقير، الضعيف منها والقوي، على تلك الاحتياجات التي أعلنت سورية عن ضرورتها، لإيواء كل هؤلاء الناس، ومعالجتهم وتأمين مستلزمات عيشهم. وتناثرت الكلمات من هنا وهناك، من مؤسسات عربية ودولية لا تسمن ولا تغني من جوع، ومع ذلك لم تتأفف سورية يوماً أو تتذمر أو تَشْتَكِ أو تتخلف عن واجباتها. وهي كذلك كانت، وكذلك تبقى وستبقى، والأرقام تدل وتشرح وتفسر كل ما حدث ويحدث.
إن سورية التي آلمتها لغة النكران والجحود، وأوجعتها «اتهامات لا أخلاقية» من قبل البعض في الحكومة العراقية، والتي نمّت عن هذيان سياسي لاحق لهذيان أخلاقي لا يمكن إدراك أسبابه بمعزل عن ولاء البعض للاحتلال ولأعداء الشعب العراقي ومصالحه، وخصوم العلاقات الطبيعية التي بدأت خلال الأشهر الماضية، تأخذ مسارها الصحيح، لتتويجها بمشاريع اقتصادية وتنموية تعود بالفائدة على الشعبين الشقيقين، في سورية والعراق.
إن المشروع الأسود الذي يُعَدُّ للعراق من قبل أعدائه وحلفائهم، والذين لم يميزوا في قصفهم الجوي وصواريخهم الذكية، بين فرد وآخر، بين كبير وصغير، بين رجل وامرأة، بين طفل يحبو وآخر رضيع.. إن هذا المشروع الأسود لا يمكن النهوض به وإتمامُهُ في ظل تقارب الأشقاء العراقيين والسوريين. ولذلك كان توقيت الانفجارات مدروساً، ليكون حجر عثرة، ومطبَّاً يعيق حركة العلاقات الأخوية الحميمة التي سادت في الأشهر السابقة، وتُوّجت بقرار تشكيل مجلس استراتيجي بين البلدين.
ومع كل ذلك، ومع شعور السوريين بأنهم كانوا خبز الشَّعير المأكول المذموم، فإنهم باقون على عهدهم أخوة للعراقيين، يتقاسمون معهم آلامهم، ويتمنون لهم عراقاً للعراقيين. وستبقى سورية كما كانت في الأوقات الصعبة، درع العراق وصمام أمانه، وأهلها أهل العراق في كل الأزمان ومختلف الظروف، لا يعيرون التفاتة إلى الاتهامات السخيفة والمقيتة التي تدل بوضوح، على أن أصحابها ضالعون في التآمر، لإنجاح مشروعهم الأسود ضد العراق، وضد مصالح الشعب العراقي جميعها.
صحيح أن اقتصادنا لم يكن بحالة تسمح بمزيد من استنزافه، وصحيح أن الأمر لم يكن سهلاً على الاقتصاديين، لمعالجة حالة الخلل الكبيرة في مسيرة التحول التي أعاقها مئات آلاف العراقيين، وصحيح أن حالة التضخم أصبحت عبئاً على السوريين، إلا أن الصحيح أيضاً هو أن أخلاق السوريين وطباعهم تغلبت على فلسفة الاقتصاديين وخططهم ورفضهم لزيادة سكانية وصلت إلى نحو 5,1 مليون عراقي، وتعايشوا مع أزمة العراقيين على أنها أزمتهم. ولذلك كانت سورية تسعى لحل الأزمات في العراق وغيره، لا لتفجيرها، انطلاقاً من قاعدة أن التنمية والاستقرار والازدهار، مشروع إقليمي عربي متكامل، لا يمكن حذف أمن وأمان أي بقعة منه. فكيف إذا كانت هذه البقعة هي قلبه..
سميرة المسالمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق