الأربعاء، 17 مارس 2010

مــــن أيــــــــن لــــك هــــذا؟.. الحـــــــرب الــــــدائمـــــة

ليست موسمية، وليست حاجة تقل أو تكثر، وليست قفزاً في الهواء، وليست حرب جيوش نظامية، لأن كل ما سبق يعني أن تنحصر ضمن زمن محدد وهو ما يضعفها ويقلل من هيبتها ويجعل شخوصها أكثر قدرة على التحرك باتجاه الاستمرار وإعلان نصرهم المقيت علينا.
الحرب على الفساد حرب الرفض الدائم لوجوده بيننا، وحرب إرادة الاصلاح التي لا يجوز أن تكون حرارتها غير ثابتة فتشتد حيناً، وتخمد أحياناً لمصلحة أن يستجمع الفاسدون قواهم، ويعيدوا ترتيب أوراقهم لجولة جديدة تطيح بمقدرات مؤسساتنا وتُمأسس لمقدرات فسادهم.
صحيح أن ما تتناقله الصحف اليوم من أخبار عن حرب لا هوادة فيها على الفاسدين باتت تشكل حجر الزاوية في أن هذه الحرب أخذت مفهوماً جديداً بعيداً عن شخصنة قضية محاربة الفساد، وبعيداً عن مفهوم هبّات الصحوة على الفساد مقابل سبات طويل ترك الساحة للفاسدين مفتوحة في مجالات كثيرة حتى في تلك القلاع التي كنا نعتقد لفترات طويلة أنها محصنة منيعة عليهم، إلا أن هذه الحرب فتحت آفاقاً جديدة لأسئلة كثيرة: إلى أي مدى تستطيع هذه الحرب الاستمرار؟ هل نستطيع القول إن كل فاسد »مخطئ قانونياً« وبالتالي يمكن ملاحقته؟ هل مؤسسة الفساد بكل قدراتها التكنولوجية تعجز عن إدارة فسادها قانونياً؟ هل يمكن للراشي »وهو أحد طرفي الجريمة« أن يوثق فساد المرتشي؟ هل دلائل الفساد ورقية فقط، أم إن ملامح الفساد التي لا تغيب عين الشمس عنها أدلة يمكن الدفع بها باتجاه المحاسبة بدلاً من منع المحاكمة؟
هل يتحول السؤال الأكبر إلى حقيقة في حياتنا، وهو: من أين لك هذا؟ ليس للحصول على إجابة مختصرة تفيد أن كل أثرياء الحاضر ورثة آبائهم الذين مع كل أسف عاشوا حالة الحرمان الحياتي ليلقوا بمئات الملايين الى أحضان أولادهم، أو أن أغنياء الآن هم من رابحي اليانصيب في دوراته المميزة، لأن جوائز اليانصيب الآن أصبحت تدخل في عملية تبييض الأموال من حيث لا ندري، حيث اشترى أحد الفاسدين بطاقة اليانصيب الفائزة بزيادة عن الجائزة فقط لينشر اسمه بدلاً من الرابح وتدخل الجائزة في حسابه كمورد أساسي لثروته المفاجئة.
الفساد ليس فقط له دلائل، بل أيضاً له رائحة تزكم الأنوف و»حواديت« تتناقلها العامة كحكايات شهرزاد في لياليها الحمراء.
وليس صحيحاً أبداً أن المناخات التشريعية كانت سبباً بقدر ما هو صحيح أن القوانين الخاصة بمحاربة الفساد موجودة وكافية ومعبرة. ولكن المسألة تتعلق بـ: كيف يصل الفاسدون إلى القضاء، وما الآليات التي تضمن أساساً جمع المعلومات الكافية قبل احالتهم إلى القضاء؟
هل تقارير الجهات الرقابية هي تقارير موثقة وكافية؟ إذا كانت كذلك فلماذا يدهشنا أن بعض الفاسدين مازالوا مستمرين وقائمين بفسادهم وافسادهم؟
وإذا كانت وثائق الجهات الرقابية غير كافية، فهذا يعني أنه لابد من وجود جهاز يعمل بسرية وعلانية حسب الحاجة والظرف، ويستطيع أن يدقق ويحقق وحتى أن ينصب الأفخاخ والكمائن ويصور ويسجل ويستخدم كل الطرق المتاحة لكي يصل إلى وثائق الفاسدين وأفراد شبكاتهم ومبالغ حساباتهم، ومن يسهل لهم ومن يرتشي، ومن يضع الشروط الفنية، ومن يفض العروض ومن يغض النظر ومن يعطل المشاريع عامداً، ومن يؤخر التنفيذ ومن يتحرش بالناس لتنسحب من الاستثمارات تحت عناوين التعقيد والروتين.
المطلوب أيها السادة، وعلى وجه السرعة، وبكل حكمة وجدية، هيئة مهمتها إعلان الحرب على الفساد وليس مكافحته على طريقة مكافحة الجراد موسماً بعد آخر، وما بين الموسمين مساحة خضراء للفاسدين يجنون ما يشاؤون، ملايين منتزعة من قدرات اقتصادنا الوطني أياً كان ملعب الفساد الذي يمارسون فيه ارتكاباتهم.
إن محاربة الفساد تدخل في معنى بناء الذات الوطنية، وهي واجب على كل السوريين، وليست عملاً سلطوياً فحسب، ولكن توفير مؤسسة حقيقية واسعة الصلاحيات لمحاربته يجعل من كل مواطن مسؤولاً في موقعه عن تقديم المعونة لها على قاعدة أن الحرب على الفساد هي فرض عين وليست فرض كفاية. وإننا كلنا جنود من أجل تحقيق النصر على مؤسسة الفساد والفاسدين.
من يعتقد أنه ربح جولة لمصلحة فساده، فلابد أن يدرك أن أعمار الفاسدين مهما طالت فهي قصيرة، لأنهم لا يمكنهم أن يعرفوا معنى الخلود إلا بحيّزهم الضيق من حكايات تتحدث عن دور الأشرار في مجتمع الأبرار ليس إلا.
»من أين لك هذا« سؤال كبير، إجاباته يجب أن تقترن بوثائق الضرائب وحوالات المغتربين، بعيداً عن أن الأثرياء المحدثين هم فقط أصحاب الحظوظ السعيدة، وأن تاريخ الجد والاجتهاد ليس عاملاً مهماً في معرفة مصداقية هذه الإجابات.
هذا السؤال يجب ألا يتوجه فقط إلى أصحاب القامات الرفيعة والمناصب العالية، إنما هو سؤال يخص كثيراً من الناس داخل أروقة القطاع العام وخارجه، لأن الفساد لم يكن يوماً ليولد على طريقة انشطار الخلايا.
سميرة المسالمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق