الأربعاء، 17 مارس 2010

الغـــــــــــــــرب .. والغــــــــــــــرب

إذا كان الاقتصاد يشكل بالفعل قاطرة السياسة ومختبرها الحقيقي، فهل كانت العلاقات بين الشمال والجنوب انعكاساً حقيقياً لهذه المقولة؟ وهل قدم الشمال (أوروبا) صورة مثالية لهذا المفهوم في علاقاته مع (الجنوب)؟ أم إن الصورة المقدمة هي المثالية برأي الشمال وأوروبا والغرب وبالتالي فإن ذلك الابتزاز الاقتصادي والتقني للجنوب وللعالم الثالث وللدول التي تسلك طريق التنمية كان بالفعل هو مضمون ذلك الموقف من قبل الدول الغنية تجاه الدول الأقل ثراء وحتى الأكثر فقراً؟.
هل استطاع الغرب بحكم قدرته المالية وطاقاته الضخمة ومراكز أبحاثه التي تحصي كل شيء حتى الأنفاس، أن يؤسس لعلاقات اقتصادية متوازنة مع الآخرين؟ أم إن كل ما درسه وأنتجه من قوانين ومعادلات اقتصادية كان مبنياً فقط على توفير الطاقة اللازمة لتشغيل مصانعه وآلياته وعلى استثمار أدوات النقل والانتقال للثروة وموادها ومصادرها دون أدنى التفات إلى حقوق الشعوب ودون أدنى التفات إلى حقوق الإنسان الأساسية والحقيقية وأولها حقه في الحياة، وفي الغذاء، والكساء، والأمن والأمان.
ما منطق معظم الغرب في حديثه ودفاعه عن حقوق الإنسان في الوقت الذي تعج بنوكه وخزائنه بالأموال المنهوبة ماضياً وحاضراً من الشرق والجنوب حيناً عبر الاحتلالات وحيناً آخر عبر البضائع والقرارات الاقتصادية وقوانين تتراوح بين الممنوع والمسموح والمحظور والجاهز والمصنّع ونصف المصنّع وما إلى ذلك من مصطلحات تشكل برمتها حجاباً حاجزاً بين إمكانية تطوير الجنوب الفقير والاستفادة من إمكانيات الشمال الغني والمتقدم، ويحدثوننا دائماً عن حقوق الإنسان من خلف أبوابهم المغلقة ومن صالاتهم المكيفة ووسط ضباب سجائرهم وسياراتهم الفارهة وحساباتهم المصرفية وعقاراتهم ومنتجاتهم الضخمة. يحدثوننا عن حقوق الإنسان وهم يتجاهلون عمداً أن كل ما تدفق إلى خزائن الغرب؟ ومازال­ إنما هو مصنوع ومدفوع ومسدد القيمة بعرق ودم فقراء العالم حيث هم.. فعن أي غرب نتحدث؟ وعن أي تعاون نتناقش؟ وأولاً وأخيراً ما الموثوقية التي تبنى بين ذلك الفقير الذي يبحث عن لقمة العيش وذلك الغني الذي يحتجزها ويريد أن يفرض شروطه ليوفرها مجزأة وقاسية وجافة وبلا طعم..؟!
كل شيء عند أولئك له معنيان، للحرية معنيان، وللإرهاب عندهم معنيان وللخبز عندهم معنيان وللتعاون معنيان وللشراكة معنيان فعن أي معان يتحدثون؟ وعن أي معان نتحدث معهم؟ ومع ذلك يبقى الحديث ضرورة ويبقى الحوار ضرورة، لكن الضرورة الأشد هي أن نحاورهم ونحن أقوياء بما لدينا وبما نملك، وبما نستطيع أن نفعله، نحاورهم وفي ذاكرتنا اجتماع التاريخ والجغرافيا والمصلحة والمبدأ والممكن دفعة واحدة.. وأن نذكرهم بأن من يرد التفاوض فلا يمكنه أن يربح كل شيء، عليه أن يخسر وأن يتنازل كي يكسب ويضيف.
سميرة المسالمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق