الأربعاء، 17 مارس 2010

المــــــــــدعــــــوم..؟!

منذ الأزل كان مصطلح الدعم والمدعوم قائماً على المنفعة المتبادلة، انتشرت بين الناس على قاعدة تعني أن شخصاً يستطيع فعل ما يريده دون حساب ينتظره أو رقيب يتقفى آثار اخطائه، ليتحول هذا الشخص الى أشخاص، وربما إلى مؤسسات للفساد ليس من السهل اجتثاثها من العمق المؤسساتي، ليس في سورية فحسب وانما في العالم أجمع.
والمواطن المدعوم ليس كالخبز المدعوم، أو كبقية المواد التي تدعمها الدولة لمصلحة المواطنين غير «المدعومين» ليستفيد منها كل المواطنين حتى «المدعومين» منهم الذين يفترض بهم أن يدعموا خزينة الدولة، لا أن يتداعوا إلى ولائم الدعم الحكومي لمزيد من اكتناز الثروات غير المشروعة.
واذا كان حديث اليوم عن الدعم والمدعومين لا يتناول هؤلاء، ليس لأننا لن نتناولهم، فهم جزء من المشكلة، وربما هم صانعو هذه المشكلة، مشكلة الفساد حيناً، ومشكلة عدم وصول الدعم لمستحقيه حيناً آخر، والكثير من أزمات الناس الناشئة عن الفساد والإفساد التي تبين أنها، في معظمها، استغلت حاجات الناس واحتياجاتهم «ودعمهم» لإثراء غير مشروع او اتجار غير مسموح، أو تهرب من استحقاقات، فإن هذا الحديث يتناول حقيقة تساؤلات مشروعة حول آلية تصنيف مستحقي الدعم، وكيف يمكن الوصول إليهم وآليات توزيع الدعم وما نوع الدعم أصلاً؟!...
خيارات الحكومة كثيرة في توصيل دعمها لمن ترغب.. إلا أن أيّ خيار يمكن أن تتبناه، ليكون وسيلتها للتعرف إلى تصنيف مواطنيها اقتصادياً، قد لا يخلو من مغامرة التصنيف غير العادل الذي يؤهل البعض ليكون ضمن لائحة من يستحق أن يكون مدعوماً، أو يبعد البعض المستحق عن هذه اللائحة، باعتبار أن الجهد المبذول هو جهد بشري لا ترفع عنه إمكانية الوقوع بالخطأ غير المقصود، أو الزلل المخطط له تحت اعتبارات مختلفة، ليس الفساد غائباًعنها....
وإن اختلف المجتهدون في وضع تعريفات واضحة لمن يستحق الدعم، إلا أن الكل يتوافق على وجود هذا المستحق للدعم، الذي يمثل معونة اجتماعية تقدمها الدولة لتحقيق أهداف اجتماعية لإعادة توزيع الدخل، وذلك للتخفيف من أعباء المعيشة اليومية.
السيناريوهات قد تكون كثيرة، وغايتها الوصول إلى هذه الشريحة المجتمعية، في محاولة لتجاوز فكرة مؤلمة مفادها: إن بعض من يستحق الدعم قد لا يحصل عليه لأسباب مختلفة، إلا أن هذه السيناريوهات قد لا تجد ضرراً فيما لو حصل البعض على معونات لا يستحقونها مقابل أن يصل الدعم الى كل مستحقيه فعلاً؟!
لكن السؤال الأبرز هو: كيف تصل الحكومة إلى إقرار أن عدداً من مواطنيها يستحق الدعم، وعدداً آخر لا يستحقه؟ وهل يمكنها فعلياً الاعتماد على ما يمكن أن تخلص إليه نتائج المسح الاجتماعي؟ وهل من المقبول في حال أن هذا المسح لم يمتلك كل عوامل نجاحه أن تتبنى الحكومة تصنيفاً قد يلحق جوراً ببعض مواطنيها وبخزينتها لحساب بعض المتسللين إلى قوائم مستحقي الدعم؟
قد تكون كل السيناريوهات المطروحة أمام أصحاب القرار تحمل رؤيتها ومصداقيتها مثل استبعاد أعضاء غرف التجارة والصناعة والسياحة، أو النظر في فواتير الكهرباء، أو التحقق من الأملاك «عقارات أو سيارات»، لكن كل هذه الأمور تبقى في حدود ضيقة لا تعطي صورة حقيقية لجغرافية توزع مستحقي الدعم ما يجعل إمكانية الوقوع في الخطأ متاحة أكثر من إمكانية تجنب الخطأ، الأمر الذي يجعل التساؤل حول الثقة المتبادلة بين المواطن «رب الأسرة» والحكومة مشروعاً للوصول إلى مدى إمكانية أن تتقبل الحكومة إقرار الناس عن أوضاعهم بثقة كاملة غير منقوصة الآن، إلى أن يأتي ما يشي بضرورة ضرب هذه الثقة.
وإذا كانت الحكومة تنوي تقديم الدعم على شكل مبلغ نقدي، فإن هذا الأمر يعني أن ثقة الحكومة بالمواطن وقدرته على إدارة احتياجاته بنفسه جاءت مبنية على تجربة، رغم أن الكثيرين من الحكومة وصفوها «بالفاشلة»، إلا أنها تجربة تحمل في طياتها الكثير من المعلومات التي قدمت للحكومة لتتعرف بدقة أكبر على مساحة الخطوة اللاحقة لمشروع إعادة توزيع الدعم، وكيفية التعامل معه للوصول إلى نتائج أفضل في السنوات القادمة.
نعم تجربة قسائم المازوت قد تكون أخفقت في أشياء كثيرة، إلا أنها أوضحت في مناح أخرى نوع الحاجة التي يريدها المواطن، كما أنها بقصد، أو دون قصد، وضعت الحكومة في مواجهة حقيقية مع احتياجات الناس النقدية، وصاغت خريطة جديدة لحركة تداول هذه المادة بين المحافظات وعدد الأسر المستهدفة، وأشياء كثيرة لا يمكن إلا الاعتماد عليها في أي سيناريو جديد لإعادة توزيع الدعم وخاصة فيما يتعلق بالمحروقات.
اليوم أسعار المحروقات غير مقبولة ولابد من إعادة دراستها وفق منطق السوق وأسعاره أي إلى انخفاض عما هو اليوم بمعدل مقبول 20%، وبما يتناسب مع ضرورات التنمية في سورية، وبالوقت نفسه لابد من التوجه مباشرة إلى الأسر المحتاجة مع ثقة الحكومة بأن هذه الأسر هي الأقدر على إدارة احتياجاتها، دون أن ننسى أن الدعم المطلوب هو باتجاهين: دعم لأسر محتاجة، ودعم للتنمية المستدامة مع ضرورة الأول، والحاجة الماسة للثاني.
نسأل في ظل أقاويل كثيرة تتداول اليوم.. بعد اقتراب انتهاء العمل بقسائم المازوت إلى أي سيناريو تتجه الحكومة؟ شخصياً أفضل سيناريو دعم المناطق المحتاجة لتأهيلها لتوليد فرص عمل، إضافة إلى التوسع في دراسة واقع الأسر لمعرفة حقيقة احتياجاتها، ونوع الدعم الذي يجب أن تتلقاه مباشرة دون وسيط.
سميرة المسالمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق