بداية لابد من التأكيد أن أملاً جديداً ستفسحه الحكومة اليوم أمام كوادر كثيرة يمكنها أن تكسب الرهان لمصلحة أن المساواة المجحفة باتت تحت الأنظار، وأن ما فتح الباب واسعا لمغادرة كفاءاتنا الإدارية وجد من يوصده من خلال التفكير المنطقي والمدروس لآليات تمنح الفرصة الحقيقية لتميز هذه الكفاءات واحلال مبدأ الثواب على الاجتهاد والترقية وفق الانجاز والعمل ومستوى الأداء مما يجعل الحديث عن الإصلاح الإداري المنشود ممكناً رغم قساوة واقعه الحالي لأنه إرث تناقلته الحكومات المتعاقبة لتضعه اليوم كملف لا مهرب منه أمام الحكومة الحالية مع ما يمثله من تحديات يصعب التغلب عليها، ومعوقات لا يمكن القفز فوق الاعتراف بها.
ورغم أن مصطلح الإصلاح الإداري لم يغب عن سورية منذ سنوات حتى عندما تقرر فعلياً أن تبدأ الحكومة بالإصلاح الاقتصادي، إلا أن التذكير بضرورة التماشي بين الإصلاحين كان وما زال موضوع الحديث الرسمي على مختلف مستوياته، رغم أن الاقتصادي وجد له الأفضلية في الحكومة على الإداري، لتقف الحكومة مؤخراً أمام معضلة حقيقية وهي مَنْ ينفذ معها الإصلاح المبتغى إذا كانت تعاني من أزمة في وجود كادر إداري مؤهل يقود هذا الإصلاح؟...
صح فيما سبق أن الدولة لجأت إلى اعتماد الخيار الوظيفي في انطلاقتها الإصلاحية، فكرست وقتاً وجهداً في إطلاق مشروع الإصلاح الاقتصادي أولاً، ومن ثم إطلاق مشروع الإصلاح الإداري رغم أنه من الصعب علمياً وعملياً، الفصل القاطع بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الإداري، لوحدة العلة ولوقوعهما في سياق متشابك معقد. لكن يصح القول الآن: إن الدولة تواجه مشكلة حقيقية في مسألة الإصلاح الإداري، وهي مشكلة مركبة بين بعديها القانوني والبشري. ولعل هذا الأخير «البشري» يشكل ظاهرة خطيرة ليس فقط على صعيد المؤشرات، إذ يوجد عشرات المناصب الشاغرة التي يمكن اعتبارها مفصلية في قيادة المؤسسات والإدارات، ولكن أيضاً لسبب إحجام الخبرات الحقيقية عن التصدي لبعض المهام الوظيفية، كقيادات عليا في العمل الإداري أو الاقتصادي، بسبب ضعف العائد الشخصي «الأجر» أو تداخل الصلاحيات أو قلتها أو عدم قدرتها «الصلاحيات» في واقعها الحالي على مساعدة ذلك القائد الإداري في إنجاز واجباته، إذ تطلب من هذه القيادات الكثير الكثير مقابل صلاحيات مسحوبة منها لجهات أعلى أو موازية أو....
لكن المشكلة لا تكمن فقط على هذا المستوى، فثمة انقطاع عميق بين مستويات الإدارة المختلفة سواء لجهة الخبرة أو عدد سنوات الخدمة الوظيفية أو لجهة القدرة والإمكانية التعليمية أو لجهة التجربة الذاتية للأفراد. ويتجلى هذا الانقطاع بغياب ما يمكن تسميته الصفوف المتوالية من الإداريين. ففي بعض الخبرات أو الشهادات وفي بعض القطاعات ثمة انقطاع غير مفهوم، رغم أن أسبابه بذاتها مفهومة، كغياب تعيين الكفاءات أو قلة الرواتب أو حجب الكفاءات داخل المؤسسات، كيلا تظهر وتطغى على الإدارات الأعلى منها لأسباب شخصية بحتة وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي أفضت مجتمعة، إلى الحاجة إلى الإصلاح الإداري، من حيث المبدأ. وثانياً إلى تعقيد مسألة الإصلاح ذاتها، مما يدفع إلى القول: إننا بحاجة إلى عملية إصلاح نوعية وشاملة وكلية، تتضمن أولاً، إجراء مراجعة نقدية، ليس فقط لطبيعة المراكز العليا في الإدارة، وليس فقط لطبيعة أشخاصها والحاضرين فيها، وعلى رأسها، وإنما لطبيعة البدلاء المحتملين، أي ما يسمى بالصف الثاني والثالث وما بعد، ولطبيعة الآلية التي يجري فيها اختيار هذه الإدارات والعناصر التي يفترض توافرها في شخوصهم، بدءاً من الشهادة العلمية، ومروراً بالشخصية القيادية، وما إلى ذلك من عناصر ومكونات.
ولأننا أدركنا كنه المسألة وأبعادها، وكنا أكثر المتوجعين من طبيعتها ونتائجها فإننا نؤكد أيضاً أن الحلول ليست خرافية أو مستحيلة، لكنها بالتأكيد صعبة، وربما جراحية في بعض الأحيان، وتحتاج دائماً إلى الكثير من الروية، وإلى فيض من الحكمة، لتأتي تسمية الأشخاص واختيارهم لمواقع الإدارة، بعيداً عن الارتجال والشخصنة والتفرد والمزاجية والمحسوبية. وهذا يفضي بالضرورة إلى القول: إنه قد آن الأوان لاعتماد معايير جدية ومسؤولة وجديدة في اختيار الأشخاص، وأن تجري مناقشة هذه الخيارات على قاعدة معرفة الأشخاص، بمعنى التيقن من خبراتهم وشهاداتهم وكفاءاتهم وقدراتهم على قيادة عمل جماعي ومؤسساتي يؤدي إلى الارتقاء بطبيعة الوظيفة العامة ومكانة الموظف العام، ضمن رؤية لا تتجاهل الواقع المعيشي ولا الشكليات، كما جوهر الفكرة ذاتها.إن هيبة الإدارة ومكانتها وإصلاحها ونجاحها تتوقف كما تقدم، على عنصرين أساسيين: العنصر البشري والعنصر القانوني. ويشمل ذلك الهيكليات والآليات وتوصيف الوظائف والمهام والعلاقات الداخلية للمؤسسة، والريعية والعائد المادي أو المعنوي لعمل المؤسسة، وقبول الجمهور لمنتجات هذه المؤسسة، سواء كانت مادية أو ثقافية أو فكرية على حد سواء.
ورغم أن مصطلح الإصلاح الإداري لم يغب عن سورية منذ سنوات حتى عندما تقرر فعلياً أن تبدأ الحكومة بالإصلاح الاقتصادي، إلا أن التذكير بضرورة التماشي بين الإصلاحين كان وما زال موضوع الحديث الرسمي على مختلف مستوياته، رغم أن الاقتصادي وجد له الأفضلية في الحكومة على الإداري، لتقف الحكومة مؤخراً أمام معضلة حقيقية وهي مَنْ ينفذ معها الإصلاح المبتغى إذا كانت تعاني من أزمة في وجود كادر إداري مؤهل يقود هذا الإصلاح؟...
صح فيما سبق أن الدولة لجأت إلى اعتماد الخيار الوظيفي في انطلاقتها الإصلاحية، فكرست وقتاً وجهداً في إطلاق مشروع الإصلاح الاقتصادي أولاً، ومن ثم إطلاق مشروع الإصلاح الإداري رغم أنه من الصعب علمياً وعملياً، الفصل القاطع بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الإداري، لوحدة العلة ولوقوعهما في سياق متشابك معقد. لكن يصح القول الآن: إن الدولة تواجه مشكلة حقيقية في مسألة الإصلاح الإداري، وهي مشكلة مركبة بين بعديها القانوني والبشري. ولعل هذا الأخير «البشري» يشكل ظاهرة خطيرة ليس فقط على صعيد المؤشرات، إذ يوجد عشرات المناصب الشاغرة التي يمكن اعتبارها مفصلية في قيادة المؤسسات والإدارات، ولكن أيضاً لسبب إحجام الخبرات الحقيقية عن التصدي لبعض المهام الوظيفية، كقيادات عليا في العمل الإداري أو الاقتصادي، بسبب ضعف العائد الشخصي «الأجر» أو تداخل الصلاحيات أو قلتها أو عدم قدرتها «الصلاحيات» في واقعها الحالي على مساعدة ذلك القائد الإداري في إنجاز واجباته، إذ تطلب من هذه القيادات الكثير الكثير مقابل صلاحيات مسحوبة منها لجهات أعلى أو موازية أو....
لكن المشكلة لا تكمن فقط على هذا المستوى، فثمة انقطاع عميق بين مستويات الإدارة المختلفة سواء لجهة الخبرة أو عدد سنوات الخدمة الوظيفية أو لجهة القدرة والإمكانية التعليمية أو لجهة التجربة الذاتية للأفراد. ويتجلى هذا الانقطاع بغياب ما يمكن تسميته الصفوف المتوالية من الإداريين. ففي بعض الخبرات أو الشهادات وفي بعض القطاعات ثمة انقطاع غير مفهوم، رغم أن أسبابه بذاتها مفهومة، كغياب تعيين الكفاءات أو قلة الرواتب أو حجب الكفاءات داخل المؤسسات، كيلا تظهر وتطغى على الإدارات الأعلى منها لأسباب شخصية بحتة وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي أفضت مجتمعة، إلى الحاجة إلى الإصلاح الإداري، من حيث المبدأ. وثانياً إلى تعقيد مسألة الإصلاح ذاتها، مما يدفع إلى القول: إننا بحاجة إلى عملية إصلاح نوعية وشاملة وكلية، تتضمن أولاً، إجراء مراجعة نقدية، ليس فقط لطبيعة المراكز العليا في الإدارة، وليس فقط لطبيعة أشخاصها والحاضرين فيها، وعلى رأسها، وإنما لطبيعة البدلاء المحتملين، أي ما يسمى بالصف الثاني والثالث وما بعد، ولطبيعة الآلية التي يجري فيها اختيار هذه الإدارات والعناصر التي يفترض توافرها في شخوصهم، بدءاً من الشهادة العلمية، ومروراً بالشخصية القيادية، وما إلى ذلك من عناصر ومكونات.
ولأننا أدركنا كنه المسألة وأبعادها، وكنا أكثر المتوجعين من طبيعتها ونتائجها فإننا نؤكد أيضاً أن الحلول ليست خرافية أو مستحيلة، لكنها بالتأكيد صعبة، وربما جراحية في بعض الأحيان، وتحتاج دائماً إلى الكثير من الروية، وإلى فيض من الحكمة، لتأتي تسمية الأشخاص واختيارهم لمواقع الإدارة، بعيداً عن الارتجال والشخصنة والتفرد والمزاجية والمحسوبية. وهذا يفضي بالضرورة إلى القول: إنه قد آن الأوان لاعتماد معايير جدية ومسؤولة وجديدة في اختيار الأشخاص، وأن تجري مناقشة هذه الخيارات على قاعدة معرفة الأشخاص، بمعنى التيقن من خبراتهم وشهاداتهم وكفاءاتهم وقدراتهم على قيادة عمل جماعي ومؤسساتي يؤدي إلى الارتقاء بطبيعة الوظيفة العامة ومكانة الموظف العام، ضمن رؤية لا تتجاهل الواقع المعيشي ولا الشكليات، كما جوهر الفكرة ذاتها.إن هيبة الإدارة ومكانتها وإصلاحها ونجاحها تتوقف كما تقدم، على عنصرين أساسيين: العنصر البشري والعنصر القانوني. ويشمل ذلك الهيكليات والآليات وتوصيف الوظائف والمهام والعلاقات الداخلية للمؤسسة، والريعية والعائد المادي أو المعنوي لعمل المؤسسة، وقبول الجمهور لمنتجات هذه المؤسسة، سواء كانت مادية أو ثقافية أو فكرية على حد سواء.
سميرة المسالمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق