الأربعاء، 17 مارس 2010

فساد الذمم والنفوس ...

الأدوات الرقابية هي أدوات علمية وإدارية وقانونية من حيث طبيعتها ومضمونها قبل أن تكون أدوات قضائية، وهي أدوات وقتية بمعنى أنها سابقة وموازية ولاحقة، وهي بطبيعة الحال وقائية ومحاسبية من حيث طريقة تطبيقها، ولذلك فإن مكافحة الفساد عملية تحتاج إلى فتح نقاش واسع حول مسألة الرقابة، وطبيعتها وتوقيتها وأهدافها، وطبيعة النقاش هي التي تحدد أية أولويات ستختارها الدولة في مواجهة الفساد، وبمعنى آخر الوقاية من الفساد كما طرحها السيد الرئيس بشار الأسد في اجتماعه مع حكومة المهندس محمد ناجي عطري بعد التعديل التاسع عليها، هي هدف ضروري وملح، وفي الوقت ذاته فإن هذه الوقاية تفتح الباب عريضاً على ضرورة مراجعة القواعد القانونية والصلاحيات والأنظمة وآليات العمل في كل المفاصل الرقابية من جهة، ومن جهة أخرى على مستوى القوانين والأنظمة والصلاحيات المخولة للإدارات العامة ولجان الشراء والتعاقد، بما يكفل الهروب من التعقيدات والحفاظ على الاستثمارات، وتسهيل الإجراءات، وضمان حماية المال العام، ومواجهة اختلاسه والرشوة والإهمال وغش الدولة، وتفويت الفرصة على القطاع العام، هنا وهناك، عبر التأخير المتعمد وما إلى ذلك...
بشكل عام يجب تحديد مفهوم الفساد وتعريفه بشكل علمي واقتصادي وقانوني، والتمييز بين مستويات الجريمة وحتى مستويات الفساد، ليس للتمييز بين الفاسدين، ولكن لتحديد المسؤوليات والعقوبات وأدوات المحاسبة..
إن تطوير المفهوم الرقابي يعني، فيما يعنيه، أن التوسع في عمليات الرقابة هو توسع نوعي لا كمي، وهذا يعني اعتماد مبادئ علمية وقواعد شفافة وواضحة في عمل إدارات الدولة ومؤسساتها من جهة، وعلاقاتها بالهيئات الرقابية من جهة أخرى. وهذا ما يفرض بالضرورة على جهازين أساسيين هما: الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، والجهاز المركزي للرقابة المالية تطوير ذاتهما القانونية والهيكيلية، وآليات عملها بشكل جذري وثوري وخلاق يتناسب مع التحولات الكبرى التي تشهدها سورية، ويشمل ذلك، أيضاً، تطوير مفهوم دوائر الرقابة الداخلية للمؤسسات العامة، وتحميلها المسؤولية الكاملة والتشاركية مع الإدارة العامة عن نمط من الأخطاء التي قد ترتكب، والتي تنشأ عن عدم قيام هذه الدوائر بممارسة صلاحياتها وواجباتها ومهامها في الحيلولة دون حدوث الأخطاء المالية، أو الإدارية، أو الفساد بذاته، وبمعنى آخر لا يجوز إبقاء الدوائر الرقابة الداخلية وكأنها «أجهزة استطلاع» متقدمة للأجهزة الرقابية تنتظر حدوث خطأ لتبلغ عنه.. ثم نقرأ بعد ذلك عن ملايين مهدورة، أو مسروقة، أو مهربة.. والأهم من ذلك عن نفوس كنا نعتقدها أمنية على البلد فإذا هي حرامي هذا البلد..!
الفساد ليس فقط فساد الذمم المالية، والأخطر منه هو فساد النفوس الذي يبيح بعده كل فساد، ولذلك فإن أي محاسبة لهؤلاء لا بد أن تكون محاسبة علنية، لأن من يبيع نفسه لا يتأخر أبداً في بيع الأوطان.. ولهذا أشكال مختلفة ومتنوعة تؤدي كلها إلى قناة واحدة لا بد من ردمها وتحويلها إلى خبر كان..
الفساد، عملياً وواقعياً، آفة تلتهم مؤسساتنا، ومكافحتها مسؤوليتنا جميعاً، ولعلها تبدأ من مكافحة الفساد في مؤسسات الرقابة أولاً، ونحن في الإعلام واحدة منها...
سميرة المسالمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق